تاريخ ومزارات

“من هنا مر تاريخ مصر”.. مقهى “ريش” في طلعت حرب شاهد تطور الحياة بالمحروسة

أميرة جادو

يقع على أرض القاهرة وتحديدًا في شارع طلعت حرب أشهر مقاهي القاهرة، حيث مقهى وتياترو ومطعم “ريــش كافيه”، الذي ظل شاهدًا على العصر لفترة تمتد لأكثر من 100 عام منذ تاريخ إنشائه في 1864م، ولعب خلالها دورًا هامًا في تطور الحياة السياسية والثقافية والفنية في مصر المحروسة، فبين جدرانه عقدت العديد من الندوات والصالونات الثقافية والسياسية التي حضرها أشهر مثقفي مصر، وعلى مسرحه مثلت فاطمة رشدي، وغنت أم كلثوم وصالح عبد الحي.

المكان وسبب التسمية

يقع “ريش كافيه” بشارع طلعت حرب بالقرب من ميدان طلعت حرب “ميدان سليمان باشا سابقاً”، وأسس “كافيه ريش” رجل الأعمال النمساوي برنارد سينبرخ عام 1914، ثم باعه للفرنسي هنري ريسني الذي أعطى له اسم “ريش” ليتشابه بهذا الاسم مع أشهر مقاهي باريس التي ما زالت قائمة إلى الآن. وتسمى “كافيه ريش”، ثم باعه لليوناني جورج أيفانوس الذي وسعه وحسن بنائه. ثم في عام 1960 باع اليوناني المقهى لأحد أبناء الصعيد، وتحديدا من “أسيوط”، وهو عبد الملاك ميخائيل. وبعد رحيله انتقلت ملكية المقهى إلى الورثة الذين أعادوا صياغة المقهى دفاعا عن التراث والتاريخ.

ولم يكن المقهى على صورته الحالية حيث كان يشرف على ميدان سليمان باشا وله حديقة مضاءة تعزف بها فرقة “أوركسترالية كلاسيكية” وتلتقي فيه النخب العائدة من أوروبا كما كانت تجلس فيه قيادات ثورة 1919.

زلزال 1992 يكشف تاريخ جديد لمقهى ريش

ذكر مجدي عبد الملك “صاحب المقهى في الوقت الحالي” أن الزلزال الذي وقع في القاهرة عام 1992 أدى لحدوث بعض التصدعات بمبنى المقهى، وتوقف المصعد  بالعقار عن العمل، وأثناء إزالة القفل الحديدي الخاص بالمصعد من مكانه بأسفل العمارة، كانت المفاجأة الكبرى وهي اكتشاف سرداب خفي، وجد بداخله مفاجأة تاريخية وهي المطبعة التي كانت تطبع عليها المنشورات السرية التي تحض على قيام ثورة 1919. وهو الأمر الذي جعل كثيرون يعتقدوا أن صاحب المقهى أثناء ثورة 1919 كان عضو في أحد أهم التنظيمات السرية لثورة 1919.

اغتيالات وثورات وتنظيمات سرية داخل ريش كافيه

في العام 1972 انطلقت من ريش كافيه ثورة الأدباء، احتجاجاً على اغتيال الروائي الفلسطيني غسان كنعاني. كما انه في ديسمبر عام 1919 وبين جدرانها قرر الجهاز السري لثورة 19 اغتيال يوسف وهبه” رئيس الوزراء “في ذلك الوقت وعميل الانكليز واختير لتنفيذ العملية “عريان يوسف سعد”. فكان المقهى نقطة الانطلاق  ومسرح الحدث لمحاولة اغتيال يوسف وهبه باشا رئيس الوزراء. ففي صبيحة يوم 15 ديسمبر 1919 جلس عريان سعد الموظف بسكرتارية مجلس الشيوخ في حديقة مقهى ريش المطلة على ميدان سليمان باشا في ذلك الوقت. ومن موقعه ظل يرقب زميله محمد حنفي الذي جلس تحت التمثال في الميدان. وعندما أعطى محمد حنفي الإشارة إلى عريان سعد باقتراب سيارة رئيس الوزراء من شارع قصر النيل في طريقه إلى رياسة مجلس الوزراء. قام عريان سعد واقترب من السيارة وألقى عليها قنبلتين انفجرتا، ولكن رئيس الوزراء نجا من الحادث وحوكم عريان سعد وحكم عليه بالأشغال الشاقة لمدة 10 سنوات.

ملتقى الأدباء والمفكرين والسياسيين

كان ومازال كافيه ريش ملتقي لرجال الفكر والأدب والفن جيلاً بعد جيل فمن أشهر رواده في العشرينيات كان العقاد وطه حسين وفي الأربعينيات كان لويس عوض ورمسيس يونان ثم تبعه جيل السبعينيات ممثلاً في نجيب محفوظ  ومن رواد كافيه ريش أيضاً صلاح جاهين وعبد المعطى حجازي وعباس الأسواني طه حسين والعقاد وأحمد أمين ويحيى حقي ويوسف ادريس وأمل دنقل ويحيى الطاهر عبد الله وأم كلثوم ورياض السنباطي وفاطمة اليوسف وصلاح عبد الصبور ونجيب سرور

ووفق عبد الرحمن الرافعي في كتابه (تاريخ مصر القومي 1914- 1921) فإن ريش ملتقى الأفندية من الطبقة الوسطى، كما عرف مقراً يجتمع فيه دعاة الثورة والمتحدثون بشؤنها أو شؤون البلاد العامة.

وكذلك كان ريش كافيه المكان الذي ينطلق من خيال الفنانين والسوريالية المصرية ورائدها رمسيس يونان كما يقال ان السينارست أسامة أنور عكاشة استوحى شخصيتي العمدة والباشا في مسلسله “ليالي الحلمية” من بعض رواد «ريش» كما استلهم شخصية الفتوة “زينهم السماحي” من شخصية قبضاي لبناني اسمه “سليم حداد” كان من رواد المقهى. ويذكر بعض زبائن المقهى أن الرئيسين جمال عبد الناصر وأنور السادات كانا ممن يرتادون هذا المقهى ، وكذلك الشاعر أحمد فؤاد نجم، والروائي جمال الغيطاني، والألماني فولكهارد فيندفور مراسل (ديرشبيجل).

ريش كافيه مسرحًا

لم يكن مقهى ريش مقهى عادياً فقد تنوعت نشاطات المكان. وجمعت ما بين المحل العمومي والبار والمقهى والمطعم وكذلك مسرحاً تقام فيه العديد من الحفلات الموسيقية والغنائية والفنية الشرقية. وكان لكل نشاط ترخيص خاص. وقد استخرج صاحب المقهى في ذلك الوقت جورج بوليتس بتاريخ 13 سبتمبر 1923ترخيص بإضافة تياتروا إلى نشاط المقهى، وعندما طلب أيضاً الترخيص بعزف الموسيقى الكلاسيكية في الحديقة، كان لابد – وهو إجراء ومتطلب حضاري في ذلك الوقت – من جمع توقيعات جميع السكان – وكلهم بلا استثناء كانوا من الأجانب – بالموافقة حتى لا يضار أحد من جراء العزف الموسيقي.

وفي بهو المقهى قدمت فرقة الفنان عزيز عيد المسرحية فصولاً عدة من مسرحياته التي قامت ببطولاتها الفنانة روز اليوسف، تخللها بعض المونولوجات، يغنيها الفنان محمد عبد القدوس، والد الأديب إحسان عبد القدوس. كما مثلت داخل مسرحه مسرحيات لفاطمة رشدي وفاطمة اليوسف كما غنى على مسرحه صالح عبد الحي وزكي مراد والد الفنانة ليلى مراد وقدم الشيخ أبو العلا محمد كوكب الشرق “أم كلثوم” التي كانت حينذاك قادمة من قريتها.

 

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى