د. محمد السعيد إدريس يكتب:مفارقة صاخبة في إفريقيا
د. محمد السعيد إدريس يكتب:مفارقة صاخبة في إفريقيا
أبلغ توصيف للحالة الإفريقية الراهنة هو أن القارة السوداء تجرأت بقوة على واقع الركود التقليدي الذي هيمن عليها لعقود طويلة، وأنها شبت عن الطوق، وقررت أن تفرض نفسها لاعباً دولياً مشاركاً في نظام عالمي جديد، بدأت معالمه تتشكل في السنوات الأخيرة على رفات النظام أحادي القطبية الذي يعد امتداداً وتعبيراً عن العصر الاستعماري الإمبريالي الذي قررت إفريقيا أن تتخلص منه.
إفريقيا تواجه الآن، أو بالأحرى تعيش الآن، «مفارقة صاخبة». ففي الوقت الذي كان قد ذهب فيه قادة وممثلو 49 دولة إفريقية إلى روسيا للمشاركة في «القمة الروسية – الإفريقية الثانية» التي عقدت في سان بطرسبرج يومي 27 و28 يوليو/تموز الفائت، كان قائد الحرس الرئاسي في النيجر يقود بمشاركة الجيش وقادته انقلاباً على حكم الرئيس محمد بازوم المقرب من فرنسا، ويعلنوا عزمهم على تحرير النيجر من الهيمنة الفرنسية والالتحاق بركب الدول الإفريقية المجاورة التي سبق لها التحرر من هذه الهيمنة، والتي كانت تقود تياراً مميزاً داخل القمة الروسية – الإفريقية أكثر ميلاً لتعميق العلاقة مع روسيا، ودعوة رفض الهيمنة الغربية، والدعوة إلى عالم متعدد الأقطاب، وعلى الأخص بوركينا فاسو ومالي.
انقلاب النيجر وقع يوم 26 يوليو/تموز، أي قبل ساعات من انعقاد القمة الروسية – الإفريقية، أعقبه قرار من قادة «المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا» (إيكواس) المجتمعين في أبوجا عاصمة نيجيريا، يعطى مهلة أسبوع لقادة الانقلاب للاستسلام والإفراج عن الرئيس محمد بازوم الذي جرى اعتقاله وإعادة الحكم الدستوري الديمقراطي.
كان الإنذار مصحوباً بالتهديد بالتدخل العسكري في حال عدم استجابة الانقلابيين، الأمر الذي دفع كلاً من مالي وبوركينا فاسو إلى إظهار التضامن مع الحكم العسكري الجديد في النيجر وإنذار ال «إيكواس» بأن أي اعتداء على النيجر سيكون اعتداء عليهما، وسوف يتبعه انسحابهما من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، الأمر الذي فاقم التحدي أمام هذه المجموعة التي باتت عاجزة عن فعل شيء، في وقت ظهر فيه عزوف غريب من الاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة للتدخل في الأزمة وإيجاد تسوية سياسية.
في ظل هذا الارتباك الذي تأكد بعجز المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا «إيكواس» عن تنفيذ تهديدها، مع انقضاء المدة المحددة للإنذار يوم الأحد الفائت، واضطرارها إلى الإعلان عن قمة أخرى، وإصرار قادة الانقلاب على التمسك بالسلطة، وسط دعم شعبي متزايد، واتخاذ إجراءات عملية تؤكد أنهم لن يقبلوا أي تهديد، ولن يتراجعوا عن موقفهم، كما عبروا عنه لمساعدة وزير الخارجية الأمريكي فيكتوريا نولاند التي زارت نيامي عاصمة النيجر، والتقت عدداً من قادة الانقلاب يوم الأحد الماضي، تتكشف معالم واقع إفريقي جديد تتساقط فيه قطع «الدومينو» الواحدة تلو الأخرى، واقع يطرح «مفارقة إفريقية صاخبة» مع اقتراب موعد انعقاد قمة «بريكس» في إفريقيا، ليس هذا فقط، بل إن عنوان هذه القمة سيكون «بريكس وإفريقيا» وفق ما ورد على لسان وزيرة الخارجية في جنوب إفريقيا «ناليدي باندور» التي أعلنت يوم الاثنين الفائت أن قمة «بريكس» ستعقد فى جوهانسبرج بجنوب إفريقيا (2023/8/22) وستسعى إلى تعزيز الروابط التجارية لأعضاء المجموعة مع إفريقيا، وقالت في مؤتمر صحفي «يعكس موضوع قمتنا إيماننا بالمنافع التي يمكن للشراكة مع إفريقيا أن توفرها (بريكس)».
كما ستتمحور محادثات القمة التي سيحضرها قادة الصين والبرازيل والهند وجنوب إفريقيا ووزير خارجية روسيا ومشاركة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عبر الإنترنت، وفق الوزيرة باندور تحفيز الاستثمارات في القمة.
هل هي صحوة إفريقية؟
السؤال مهم في ظل الرسائل التي تحملها قمة «بريكس» في إفريقيا التي ربما تعلن عن إصدار «العملة العالمية» البديلة للدولار، وكيفية التصدي للهيمنة الأمريكية، وفي ظل رسائل عجز مجموعة دول غرب إفريقيا «ايكواس» عن تنفيذ عمل عسكري لإسقاط الحكم الجديد في النيجر ورفض دول إفريقية لهذا العمل العسكري خاصة الجزائر وتشاد واصطفاف بوركينا فاسو ومالي وغينيا إلى جانب النيجر. استقطاب جديد في إفريقيا ربما يحمل معالم جديدة لهذه الصحوة.