حوارات و تقارير

المشير حسين طنطاوي.. الجنرال المنقذ قصة كفاح «مُقاتل» قبض على الجمر بيديه حتى لا يحترق بلده

محمود حسن الشوربجي

 

هناك تشابه كبير بين القادة العسكريين في درجاتهم ورتبهم العسكرية، إلا أن القادة الذين تتفرد شخصياتهم بالبطولات والقيادة الحكيمة يسترعون الانتباه في صفاتهم الشخصية والإنسانية، وفي قدراتهم القيادية من خلال صفات المصري الأصيل والحاكم العادل والشجاعة والصبر والكرم والتواضع ورفض القهر أو الظلم، اهتداء بمبادئ الإسلام والقيم الإنسانية، إلى جانب صون حقوق الناس والحكمة السياسية من خلال توحيد الأمة المصرية، وتحقيق الوفاق الاجتماعي والسياسي، وهذا ما مكّن القائد العام للقوات المسلحة «المشير طنطاوي» من إدارة شؤون البلاد بنجاح، بسبب ما تحقق من استقرار سياسي في فترة انتقالية عصيبة.

 

وليس غريبا لكل من يستقرئ شخصية الراحل المشير طنطاوي الذي رحل عن دنيانا عن عمر ناهز 85 عاما، أن يلمس ويرى معظم الصفات والسجايا الطيبة التي تملأ نفسه وفكره لتترجمها أعماله ومبادراته وسياسته في كافة جوانب القيادة والحياة في أحلك فترة عاشتها مصر.. وهي الشخصية الحكيمة التي سنسردها تفصيلا في السطور التالية…

 

المشير طنطاوي وقصة كفاحه من أجل الوطن مصر

هو أحد أهم القادة العسكريين في الوطن العربي، المشير محمد حسين طنطاوي سليمان، ولد في 31 أكتوبر سنة 1935م، بمدينة القاهرة، في عهد المملكة المصرية، ولد لأسرة مصرية نوبية، كان آخر رتبة له هي القائد العام للقوات المسلحة، وتولى رئاسة مصر في فترة انتقالية عقب ثورة 25 يناير 2011م. تُوفي طنطاوي فجر يوم الثلاثاء 21 سبتمبر 2021م، عن عُمر ناهز 85 عاما.

تخرج « المشير طنطاوي» من الكلية الحربية المصرية سنة 1956م، ثم كلية القادة والأركان، وشارك في حرب 1967م، وحرب الاستنزاف، وحرب أكتوبر 1973م، حيث كان قائد وحدة مقاتلة بسلاح المشاة، وبعد الحرب حصل على نوط الشجاعة العسكري. كما درس في كلية القيادة والأركان عام 1971م وفي كلية الحرب العُليا عام 1982م.

 

عمل في عام 1975م ملحقا عسكريا لمصر في دولة باكستان ثم في أفغانستان، وفي عام 1987م تولى منصب قائد الجيش الثاني الميداني، ثم قائد قوات الحرس الجمهوري عام 1988م، ثم تدرج في المناصب حتى أصبح وزير الدفاع والقائد العام للقوات المسلحة في عام 1991م، برتبة فريق، وبعد شهر واحد، أصدر الرئيس السابق مبارك قرارًا بترقيته إلى رتبة فريق أول، وحصل على رتبة المشير في 1993م وزيرا للدفاع والإنتاج الحربي.

 

تولى طنطاوي رئاسة مصر بصفته رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد تنحي الرئيس السابق حسني مبارك في 11 فبراير 2011م، وبقي حتى قيام الرئيس المنتخب بأداء اليمين الدستورية وتسلم منصبه في 1 يوليو 2012م. أُحيل للتقاعد بقرار رئاسي من الرئيس المعزول محمد مرسي في 12 أغسطس 2012م، ومُنح قلادة النيل وعُيّن مستشاراً لرئيس الجمهورية.

حصل المشير “طنطاوي”، خلال حياته العسكرية على العديد من الأوسمة والأنواط والميداليات، منها: «نوط النصر – نوط المعركة – نوط التدريب – وسام التحرير – ميدالية تحرير الكويت – ميدالية يوم الجيش – وسام تحرير الكويت – نوط الخدمة الممتازة – نوط الجلاء العسكري – نوط الشجاعة العسكري – وسام الجمهورية التونسية».

 

تولّيه منصب رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة

تولى المشير محمد حسين طنطاوي قيادة المجلس الأعلى للقوات المسلحة، وذلك عقب تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك، عن حكم البلاد، وذلك بعد الأحداث التي شهدتها مصر في 25 يناير 2011م، وقد تنحى مبارك في الحادي عشر من فبراير 2011م واستطاع المشير طنطاوي أن يحافظ على الوطن والشعب المصري في ظل ظروف كانت الأصعب في تاريخ الأمة المصرية.

 

إنقاذ المشير لمصر من الفوضى بعد أحداث 25 يناير

 

لايزال الغموض يكتنف أحداث 25 يناير، فقد نزل المصريون في 25 يناير عام 2011م بالتزامن مع الاحتفالات بعيد الشرطة، وذلك للمطالبة بعدة مطالب، وكانت على رأسها: «وضع حد أدنى للأجور يضمن حياة كريمة للمصريين – إقالة الحكومة»، بالإضافة إلى التعبير الحقيقي عن رفض الملايين من المصريين لما كان يصدر من قبل بعض أفراد جهاز الشرطة ضدهم.

 

وشهد يوم 25 يناير اندلاع مظاهرات صغيرة، ثم أصبحت حاشدة بشكل لا يمكن توقعه من منظمي الاحتجاجات أو المصريين أنفسهم، وقام المصريون برفع علم مصر، وبدأت المصادمات بين المتظاهرين وقوات الشرطة في الميادين العامة بعد تصاعد حدة المصادمات والاحتجاجات لمدة 3 أيام.

 

واختتمت ليلة الجمعة 28 يناير 2011م بدخول الآلاف من المتظاهرين إلى ميدان التحرير، وكانت وقتها عدة أقسام تابعة لوزارة الداخلية قد حُرقت بالكامل، وتمت سرقة السلاح والمهام منها، وتهريب المسجونين، وشهدت الليلة التي تلتها اقتحام السجون وكان أشهر تلك السجون التي اقتحمت هي سجون «أبو زعبل – وادي النطرون – الفيوم»، كان الخارجون عن القانون والهاربون من السجون قد انتشروا في الشوارع في حالة فوضى عارمة، وبذلك بدأت فترة ما يُعرف بـ «الانفلات الأمني».

 

وكان ختامها الهجوم على عدد من السجون التابعة لوزارة الداخلية وتهريب المسجونين في يوم 29 يناير 2011، من قبل عناصر من «داخل وخارج مصر» مُستغلين تردي الأوضاع الأمنية، ما استدعى «نزول عناصر القوات المسلحة إلى الشارع» لحماية المصريين وتأمين الجبهة الداخلية بعد الأيام العصيبة التي شهدتها الدولة المصرية في 28 و 29 يناير.

 

وعندما حدثت عملية اقتحام الأقسام والسجون، صدرت الأوامر لجميع وحدات القوات المسلحة بالانتشار في الأماكن المخصصة لها لحماية الأماكن والأهداف الحيوية والإستراتيجية، ونزلت القوات الخاصة في يوم 29 يناير، وكانت هناك أوامر واضحة ومباشرة، بأن لا تُطلق طلقة واحدة على أي متظاهر سلمي.

 

وتحمّل المشير «طنطاوي» وزير الدفاع وقتها المسؤولية الوطنية ومعه أفراد القوات المسلحة، لتأمين الجبهة الداخلية، وحماية «المتظاهرين السلميين»، وإعادة الاستقرار للدولة المصرية، بعد أن شهدت الدولة «غياب أمني» نتيجة الهجوم على المقرات والارتكازات الأمنية الشُرطية، ما أدى إلى وجود حالة من الانفلات الأمني، ووُضع المصريون في حالة من الخوف من المجهول بالإضافة إلي أن الحركة العامة للدولة سواء كان على المستوى «الاقتصادي – التجاري – السياحي – التعليمي» قد توقفت، بسبب الأحداث التي وقعت يوم 28 يناير 2011 وما تلاها.

 

وفي أعقاب عام 2011 وما صاحبها من مظاهر الفوضى المدمرة التي طالت العديد من دول المنطقة وتنامي ظاهرة الإرهاب وانتشار التنظيمات المسلحة التي باتت تهدد الأمن والاستقرار لكافة شعوب المنطقة، كان الجيش المصري بتماسكه وتلاحمه بأبناء الوطن، الدرع القوي الذي حافظ على بقاء الدولة المصرية في مرحلة هي الأصعب في تاريخ مصر الحديث.

 

وقد لعبت القوات المسلحة دورا هاما خلال فترة ثورة 25 يناير 2011، و انحازت لمطالب الشعب، واستطاعت بجدارة الحفاظ على كيان الدولة، وعدم إراقة الدماء في مصر، والحفاظ على وحدة الشعب وتمكنت القوات المسلحة خلال تلك الفترة العصيبة من التعامل بأعلى درجات الانضباط الوطني مع أحداث الثورة، أو من خلال إدارة المرحلة الانتقالية التي تلتها.

 

أبرز البيانات التي أصدرتها القيادة العامة للقوات المسلحة

تستعرض «صوت القبائل العربية» أبرز بيانات أصدرتها القيادة العامة والمجلس الأعلى للقوات المسلحة منذ 10 فبراير 2011 حتى بعد تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك عن الحكم.

 

البيان الأول

صدر قبل تنحي الرئيس الأسبق محمد حسني مبارك بيوم واحد، وتحديدا في 10 فبراير 2011 أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة بيانه الأول أنه منعقد بكامل هيئته برئاسة المشير محمد حسين طنطاوي.

 

وقال البيان: إنه «انطلاقا من مسئولية القوات المسلحة والتزاما بحماية الشعب ورعاية مصالحه وأمنه، وحرصا على سلامة الوطن والمواطنين ومكتسبات شعب مصر العظيم وممتلكاته، وتأكيدا وتأييدا لمطالب الشعب المشروعة، انعقد اليوم الخميس الموافق العاشر من فبراير 2011 المجلس الأعلى للقوات المسلحة لبحث تطورات الموقف حتى تاريخه».

 

وأضاف البيان «وقرر المجلس الاستمرار في الانعقاد بشكل متواصل لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات وتدابير للحفاظ على الوطن ومكتسبات وطموحات شعب مصر العظيم».

 

وصية المشير

وصّى المشير محمد حسين طنطاوي، الأمة المصرية، بالحفاظ على مصر، وذلك خلال كلمة له، في الجيش الثاني، وذلك قبل أحداث 25 يناير 2011 بفترة قصيرة للغاية، وقال المشير طنطاوي في الفيديو الذي نُشر على مواقع التواصل الاجتماعي: “خدوا بالكم على مصر، فمصر هي القلب، والمراد هي مصر، ومصر إن شاء الله هتستمر، فهي شعلة الوطنية والقومية والأمن والأمان في المنطقة كلها، ولو مصر حصلّها حاجة، فالمنطقة كلها انتهت”.

 

وفي أحد الفيديوهات للمشير محمد حسين طنطاوي، وذلك خلال استقلاله للسيارة، وقيام عشرات المواطنين بتوقيف السيارة والحديث معه عن ضرورة محاسبة جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، والقصاص منهم، بعد ما فعلوه بمصر طوال السنوات الماضية، قام المشير طنطاوي بالرد عليهم قائلا: “متخافوش .. ربنا كريم ومش هيسيبكم”.

 

ماذا قال الرئيس السيسي عن المشير طنطاوي؟

قال الرئيس عبد الفتاح السيسي، رئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة، خلال إحدى الندوات التثقيفية التي تنظمها القوات المسلحة، إن المشير محمد حسين طنطاوي رجل عظيم وقاد مصر في أصعب الفترات.

 

وأضاف الرئيس السيسي خلال افتتاح عدة مشروعات أن المشير طنطاوي كان يردد أنه “يقبض على الجمر المشتعل وهو يحرق يديه لكنه لا يستطيع تركه ليحرق مصر كلها” ، لافتا إلى أن المشير الراحل تحمّل الكثير من أجل مصر وعمل بإخلاص في أصعب الظروف التي يمكن أن يمر بها بلد مثل مصر، مؤكدا براءة المشير طنطاوي من دماء المصريين في أحداث محمد محمود وماسبيرو واستاد بورسعيد.

 

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى