المزيد

محمود سامي البارودي: بين قلم الشاعر وسيف السياسي

محمود سامي البارودي، الشاعر والوزير المصري، ولد في القاهرة عام 1838 من أسرة ذات تأثير في الحكم. ارتقى لمناصب رفيعة بعد الالتحاق بالسلك العسكري.وشغفه بالأدب والشعر أدى إلى تمكنه من العديد من دواوين الشعراء وحفظها منذ صغره. كان من معجبي الشعراء المجددين ورائدي مدرسة البعث والإحياء في الشعر العربي الحديث.

تولى البارودي مناصب حكومية بارزة وأصبح رئيس وزراء مصر، وقد لقب بـ”رب السيف والقلم”. ولِد في أسرة ذات ثراء وسلطان، وتلقى تعليمه الأولي في المنزل قبل الالتحاق بالمدرسة الحربية. حيث انتظم في دراسة فنون الحرب والعلوم الدينية واللغوية والحسابية.

يعتبر البارودي رائد الشعر العربي الحديث الذي جدد في القصيدة العربية شكلاً ومضموناً. وكتب مقدمة لديوان شعري، وعبر عن رؤيته لدور الشعر في تهذيب النفوس وتنبيه الخواطر إلى مكارم الأخلاق.

تأثر شعر البارودي بالنهضة الأدبية في العصر الحديث وتجسدت اختلافات بين القديم والجديد. وتأثيره أيضًا بالثقافة الغربية والاتصال بأوروبا عبر الدارسين المصريين في الجامعات الغربية.

بدأ مسار العمل للبارودي بوزارة الخارجية، حيث سافر إلى الأستانة عام 1857م ونجح في إتقان اللغتين التركية والفارسية ومطالعة آدابهما. وظل هناك لمدة سبع سنوات. عاد إلى مصر بعد دعوة الخديوي إسماعيل لزيارة العاصمة العثمانية، حيث ألحق بحاشيته وعاد ليعمل معه في الخارجية.

بعد ذلك، شعر البارودي بالحنين لحياة الجندية والعودة إلى العسكرية. فانتقل إلى الجيش برتبة بكباشي. شارك في حملات عسكرية، بما في ذلك حملة لمساندة الجيش العثماني في كريت. وأثبت كفاءته في القتال. عاد إلى مصر بعد ذلك وتم تعيينه في مناصب عسكرية مهمة، بما في ذلك مرافق شخصي للخديوي إسماعيل.

لكن بعد فترة، عاد البارودي للعمل في الحكومة. حيث عين في وزارة المعارف والأوقاف وشغل مناصب وزارية متعددة. أظهر اهتمامًا بإصلاح القوانين العسكرية ورفع رواتب الجنود، لكنه تنازل عن منصبه بعد فترة بسبب خلافات مع رئيس الوزراء. عين مرة أخرى في وزارة الحربية. لكنه استقال من المنصب بسبب التوترات السياسية.

فيما بعد، تولى البارودي مناصب رفيعة في الحكومة، بما في ذلك رئاسة النظارة والوزارة. حيث عمل على الإصلاحات والتحسينات العديدة في الحكومة والجيش. كان له دور بارز في الساحة السياسية والعسكرية المصرية خلال فترة تاريخية حرجة.

مؤامرة الضباط الجراكسة لاغتيال البارودي وعرابي

تم كشف مؤامرة نفذها بعض الضباط الجراكسة لاغتيال البارودي وعرابي، فتم تشكيل محكمة عسكرية لمحاكمة المتهمين، وقضت المحكمة بتجريدهم من رتبهم ونفيهم إلى أقاصي السودان. عندما رفع “البارودي” الحكم إلى الخديوي توفيق للتصديق عليه، رفض الخديوي التصديق بتحريض من قنصلي إنجلترا وفرنسا. مما أثار غضب البارودي الذي عرض الأمر على مجلس النظار. قرر المجلس أنه ليس من حق الخديوي رفض قرار المحكمة العسكرية العليا وفقًا للدستور. ثم عُرض الأمر على مجلس النواب. الذي اجتمع أعضاؤه في منزل البارودي وأعلنوا تضامنهم مع الوزارة وضرورة خلع الخديوي ومحاكمته إذا استمر على دسائسه.

استغلت إنجلترا وفرنسا هذا الخلاف، وحشدتا أسطوليهما في الإسكندرية، مهددين بحماية الأجانب، وقدم قنصلاهما مذكرة في 7 رجب 1299 هـ / 25 مايو 1882م يطالبان باستقالة الوزارة، ونفي عرابي. وتحديد إقامة بعض زملائه، ورفضت وزارة البارودي هذه المطالب في الوقت الذي قبلها الخديوي توفيق، ليتبع ذلك استقالة البارودي بعدما لم يبق له سوى هذا الخيار. تطورت الأحداث بعد ذلك وانتهت بدخول الإنجليز إلى مصر. والقبض على زعماء الثورة العرابية وكبار القادة المشاركين بها، وحُكم على البارودي وستة من زملائه بالإعدام، ثم تم تخفيف الحكم في 3 ديسمبر 1882 إلى النفي المؤبد إلى جزيرة سرنديب (سريلانكا).

نفي محمود سامي البارودي

قضى أكثر من سبعة عشر عامًا في المنفى في مدينة كولومبو، عاصمة سيريلانكا، حيث عاش وحيدًا ومريضًا ومشتاقًا إلى وطنه، وسجّل ما يعانيه في شعره الذي ينبع من أعماق ألمه وحنينه. خلال فترة النفي. كان البارودي ملتزمًا بتعلم الإنجليزية وتدريس العربية لأهل الجزيرة لتعريفهم بدينهم. كما كان يتحدث في مساجد المدينة لنشر معارف الإسلام.

طوال هذه الفترة، كان يكتب قصائده التي تعبر عن آلامه وحنينه للوطن، وترثي من فقد من أحبائه، وتستحضر أيام شبابه ولهوه، وكانت أيامه في المنفى مريرة وثقيلة. وتفاقمت حالته الصحية مع ازدياد العمر، فقرر العودة إلى مصر للعلاج.

بعد عودته إلى القاهرة، انسحب البارودي من العمل السياسي وفتح بيته للأدباء والشعراء. حيث تبادلوا الآراء والأفكار. وفي هذا السياق. تأثر العديد من الأدباء بأفكاره وأسلوبه، وأُطلق عليهم “مدرسة النهضة” أو “مدرسة الإحياء”. وتوفي البارودي في عام 1904 بعد سنوات من الكفاح من أجل استقلال مصر وحريتها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى