عادل رستم يكتب: العريش عاصمة للثقافة بين الفرصة التاريخية والتحديات الواقعية
يمثل إعلان وزير الثقافة اعتبار مدينة العريش عاصمة للثقافة في مصر لحظة فارقة في مسار الوعي الثقافي تجاه شمال سيناء ونقلة نوعية تعيد الاعتبار للمكان والإنسان معا خاصة حين يتقاطع هذا الإعلان مع دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسي للشباب لزيارة شمال سيناء بما تحمله من دلالات سياسية وثقافية ومجتمعية عميقة .
هذا الاختيار لا يمكن النظر إليه باعتباره قرارا رمزيا فقط بل هو اعتراف متأخر بثراء سيناء الإنساني والتاريخي وبما تختزنه العريش من طاقات ثقافية وأدبية ظلت تعمل في ظروف صعبة لسنوات طويلة ورغم ذلك حافظت على حضورها وإصرارها .
الفرصة التي يفتحها هذا الإعلان كبيرة وممتدة إذ يضع العريش في قلب المشهد الثقافي الوطني ويمنحها مساحة للرواية الذاتية بعيدا عن الصور النمطية كما يتيح إعادة اكتشاف المواهب المحلية وخلق جسور حقيقية بين المركز والأطراف ويعزز من فكرة العدالة الثقافية التي طال انتظارها .
لكن هذه الفرصة تأتي محملة بتحديات واقعية لا يمكن تجاهلها وفي مقدمتها التحديات اللوجستية المتعلقة بالبنية التحتية والاستعدادات التنظيمية إلى جانب الحاجة لوضع أجندة ثقافية محلية موازية ومتكاملة مع خطط وزارة الثقافة بما يضمن ألا تكون الفعاليات طارئة أو شكلية بل ممتدة وذات أثر حقيقي .
مؤتمر أدباء مصر
انعقاد مؤتمر أدباء مصر في السادس والعشرين من ديسمبر يمثل اختبارا مبكرا لقدرة العريش على إدارة حدث ثقافي وطني بهذا الحجم وهو ما دفع أدباء المحافظة وأعضاء الصالون الثقافي والمهتمين بالشأن الثقافي إلى عقد اجتماعات متتالية إدراكا لحجم المسؤولية وسعيا إلى الاستعداد الجاد لهذا الحدث غير المسبوق .
هذه الاجتماعات عكست وعيا جماعيا بأهمية اللحظة حيث جرى تداول مقترحات عملية لمواكبة الحدث ومواجهته بروح تشاركية من خلال دعوة كل الجهات القادرة على الإسهام في إبراز اسم سيناء وإظهار ما تحمله من ثراء إنساني وتاريخي وثقافي متنوع .
التحدي الحقيقي لا يكمن فقط في إنجاح فعالية أو مؤتمر بل في تحويل هذا الإعلان إلى مسار مستدام يعيد بناء العلاقة بين المجتمع المحلي والثقافة ويجعل من العريش مركزا منتجا للفعل الثقافي لا مجرد محطة احتفالية عابرة .
المرحلة المقبلة قد تشهد تعاونا وانسجاما أكبر بين المؤسسات الرسمية والمجتمع الثقافي المحلي وهو ما من شأنه أن يمنح الفعاليات زخما حقيقيا ويؤسس لمرحلة جديدة تكون فيها الثقافة أداة للتنمية وبوابة لإعادة تشكيل الوعي الجمعي تجاه سيناء .
العريش اليوم تقف عند مفترق طرق بين فرصة تاريخية وتحديات دقيقة والرهان الحقيقي يظل على الإنسان السيناوي وقدرته على تحويل الاعتراف إلى فعل والحدث إلى مشروع والمكان إلى عاصمة ثقافية بمعناها العميق لا الشكلي .



