عالم الماساي العجيب بين تقاليد البصاق وطقوس الدم واللبن
ليس العناق والهدايا أهم ما يقدمه شعب الماساي احتفاء بالمتزوجين الجدد أو الأطفال الذين يستقبلون الحياة لأول مرة، فالقبيلة تقدم هدية أعرق وأعمق عندهم، وهي إغراق العروسين والمواليد بالبصاق تعبيرا عن الاحتفاء ومباركة البداية الجديدة في حياتهم، ويخص الماساي زائرهم المحتفى به بتقدير مختلف، إذ يقدمون له وجبة مقدسة عبارة عن خليط غريب من دم البقر ولبنها، وهي طريقتهم في إظهار الود والمبالغة في الإكرام وحسن الضيافة.
تاريخ عالم الماساي
ينتمي الماساي إلى المجموعة النيلية التي تضم عددا من القبائل والمجموعات الأفريقية الناطقة باللو، وتمتد هذه الشعوب في مناطق شرق أفريقيا مثل الماساي في كينيا، والتوتسي في رواندا وبوروندي، والدينكا في جنوب السودان، وبعض المجموعات في مالي والسنغال التي تشتهر بطول القامة ولون البشرة الداكن، وتحمل هذه المجموعات تاريخا أفريقيا عميقا، وارتباطا بالأرض والمحراث، وسيطرة للأسطورة والأرواح.
وترتبط علاقة الماساي بالأرض رعيا واصطيادا، ويعتمدون على الغابات مصدرا أساسيا للحياة، وموردا للقوت الذي ينثال تحت رماح الرجال الأشداء، وتقول أسطورة الماساي إن إلههم إنغاي منحهم الماشية وأعطاهم أرضا خصبة وسماء تمطر باستمرار، ولذلك يرى الماساي أن المواشي كلها لهم، لأن إلههم أوكل إليهم رعايتها، بينما يرى آخرون أن الأسطورة تبرر السطو على مواشي الغير رغم ما تحمله من مبررات دينية وأساطير راسخة.
ويقيم عدد كبير من الماساي في منطقة وادي ريفت بمقاطعة كاجيادو في أرياف كينيا التي تضم نحو مليون شخص من أبناء هذه القبيلة ذات التقاليد الغريبة، ويقيم عشرات الآلاف أيضا في تنزانيا داخل مساكن مصنوعة من الطين والقش وأعواد الأشجار، وتتكفل النساء بكل أعمال البيت بينما يتفرغ الرجال للرعي والاصطياد.
وتقضي تقاليد القبيلة بأن يعيش رجل الماساي ثلاثين عاما من حياته في جد وتقشف وسعي لإثبات الذات، فلا يدخن ولا يشرب الخمر ولا يتزوج، وبعد بلوغه الثلاثين يتزوج ويتفرغ لزيادة ثروته من المواشي، ويستمر في دوره ضمن جيش الماساي الذي يضم كل الرجال البالغين لحماية المجتمع من الأخطار.
ويشتهر الماساي بملابسهم المميزة وأزيائهم الملونة التي يغلب عليها الأحمر وأحيانا الأخضر تبعا للتراتبية الاجتماعية، ويرمز اللون الأحمر لديهم إلى الأرض والحرية والشجاعة والدم، وتعد الكوشا اللباس الأشهر لديهم، حيث يلفون بها أجسادهم، بينما تزين النساء أعناقهن بأقراص مسطحة وأقراط مصنوعة من الحلي المحلية، ويصنع الرجال أقراطا من قرون الحيوانات.
ويمتلك الماساي بنية هرمية قوية في نظام أبوي يتولى فيه كبار السن قيادة المجتمع وإدارة شؤونه وقضائه ومعتقداته، ويقدس الماساي إله الخصب والنماء المتمثل في الإله الأسود أنغاي ناروك الذي يتحول إلى إله للانتقام ليصبح الإله الأحمر أنغاي نانيوكي، وتمثل البقرة السوداء ظل إله الخير، بينما تمثل البقرة الحمراء ظل الإله الأحمر المرتبط بالانتقام.
وتعد الأبقار بالنسبة للماساي ثروة كبيرة تمنح أصحابها مكانة اجتماعية في العشيرة، إضافة إلى ما توفره من حليب ودماء، وتشير تقارير منظمة سرفايفل إنترناشيونال إلى أن الماساي يصنفون حياتهم بطريقة تشبه قائمة فوربس للأثرياء، مما يعني أن المال لا يمنحهم السعادة بقدر ما تمنحهم إياه مواشيهم ومكانتهم داخل القبيلة.
ويعد مهر بنات الماساي أحد أهم مصادر الثروة إلى جانب الماشية، ولذلك لا يهتم كثير منهم بتعليم الفتيات، لأنهم يرون أن تعليمها مضيعة للوقت ما دامت ستنتقل إلى بيت آخر بعد الزواج، وسيستفيد الآخرون من ثمار تعليمها، وتتوزع مهام الحياة داخل الأسرة بوضوح، فيتولى الرجال حماية المجتمع والصيد وتوفير الغذاء، بينما يقوم الأطفال والمراهقون برعاية الأغنام والماشية، وتقوم النساء بصناعة الأكواخ والاهتمام بالمنزل وتوفير المياه وجمع الحطب وأحيانا رعاية الحيوانات، وهو ما يحتاج إلى السفر مسافات طويلة بحثا عن المرعى والكلأ.



