قبائل و عائلات

عائلة الهاجري.. جذور تمتد في عمق الصحراء وقيم تتوارثها الأجيال في قلب الخليج العربي

أسماء صبحي – تعد عائلة الهاجري واحدة من أقدم العائلات العربية التي استقرت في منطقة الخليج العربي منذ مئات السنين. ويرجع المؤرخون نسبها إلى قبيلة “الهواجر” وهي من القبائل العدنانية المعروفة التي تعود أصولها إلى شبه الجزيرة العربية وتحديدًا إلى منطقة نجد. قبل أن تنتشر فروعها في كل من السعودية وقطر والإمارات والبحرين والكويت وعمان.

ارتبط اسم الهاجري منذ القدم بالكرم والشجاعة والتمسك بالدين والقيم الأصيلة. وكان لها حضور بارز في الحياة القبلية والسياسية في فترات متعددة من تاريخ الخليج. حيث شارك أبناؤها في الدفاع عن أوطانهم وأسهموا في بناء مؤسسات الدولة الحديثة مع بدايات القرن العشرين.

الاستقرار والبدايات الأولى

مع بدايات الطفرة الاقتصادية في الخليج، بدأت فروع كثيرة من العائلة تنتقل من البادية إلى المدن. لكنها حافظت على روابطها القبلية المتينة واستمرت في عقد المجالس العائلية التي تجمع كبار العائلة وشبابها. وهذه المجالس لم تكن فقط للترابط الاجتماعي بل كانت بمثابة مدرسة لتعليم القيم الأصيلة للأجيال الجديدة، مثل الكرم، والنخوة، والولاء للوطن.

عادات عائلة الهاجري والتقاليد

تحرص الهاجري على الحفاظ على عاداتها الموروثة التي تعد جزءًا من هويتها الثقافية. ومن أبرز تلك العادات:

  • الضيافة العربية الأصيلة: لا يخلو بيت من بيوت الهاجريين من دلال القهوة العربية والتمر وهي أول ما يقدم للضيف عند زيارته. ويعتبرون أن استقبال الضيف وإكرامه من أسمى مظاهر الرجولة والشرف.
  • المناسبات الاجتماعية: تحظى حفلات الزواج والاحتفالات الدينية بمكانة كبيرة. وغالبًا ما تقام في مجالس كبيرة تجمع الأقارب من داخل الدولة وخارجها، وتحيى فيها الفنون الشعبية مثل العرضة والسامري.
  • صلة الرحم: من القيم الراسخة لدى العائلة أن التواصل مع الأقارب واجب لا يسقط مهما كانت المسافات. لذلك يحرصون على الزيارات الدورية، خاصة في الأعياد والمناسبات الدينية.
  • اللباس التقليدي: رغم الانفتاح والحداثة، لا يزال أفراد العائلة متمسكين بالزي الخليجي الرسمي. فالرجال يرتدون الثوب والغترة والعقال، بينما تحافظ النساء على العباءة المطرزة التي تعبر عن أصالة البيئة الخليجية.

دور المرأة في العائلة

لم تكن المرأة الهاجرية بعيدة عن المشهد، بل لعبت دورًا أساسيًا في الحفاظ على ترابط الأسرة واستمرار قيمها. وكانت الجدات يروين القصص القديمة للأطفال، وينقلن من خلالها دروسًا في الصبر والكرم والشجاعة. أما الجيل الجديد من النساء، فقد استطاع الجمع بين التعليم والعمل والمشاركة المجتمعية مع الحفاظ على التقاليد العائلية.

تقول أم محمد الهاجرية، وهي سيدة أعمال من الجيل الحديث: “نحن نؤمن أن المرأة القوية لا تتخلى عن هويتها. نشارك في العمل والبناء لكننا نحمل في داخلنا نفس مبادئ الأمهات والجدات اللواتي ربّيننا على حب الأرض والناس”.

مشاركة أبناء العائلة في بناء الدولة

كان للعائلة حضور فاعل في مسيرة التنمية الخليجية، حيث شغل أبناؤها مناصب مهمة في مجالات التعليم، والدفاع، والاقتصاد، والإدارة. كما ساهموا في تأسيس شركات وطنية ومؤسسات خيرية تهدف إلى خدمة المجتمع.

وفي المجال الأكاديمي، برز عدد من أبناء العائلة كأساتذة في الجامعات الخليجية. بينما لمع آخرون في مجالات الهندسة والبترول والطب، مما جعل اسم الهاجري يرتبط بالاجتهاد والنجاح.

تحديات الحاضر وتمسك بالماضي

مع تسارع وتيرة التغير في المجتمع الخليجي، واجهت العائلة تحديات عدة للحفاظ على هويتها أمام العولمة والتكنولوجيا الحديثة. فالأبناء اليوم يعيشون في عالم منفتح، لكنهم يتلقون من آبائهم وجيل الكبار دروسًا في الثبات على القيم.

يعلق الدكتور خالد المطيري، الباحث في شؤون المجتمعات الخليجية، إن عائلات مثل الهاجري تمثل حجر الأساس في استقرار المجتمعات الخليجية. فهي تحافظ على التوازن بين الأصالة والتطور، وبين الهوية الوطنية والانفتاح العالمي. وهذا النموذج من الأسر هو ما يحمي البنية الاجتماعية من الذوبان الثقافي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى