حين دوّت الأرض تحت أقدام العدو.. ملحمة المدفعية المصرية في السادس من أكتوبر
في الثانية وخمس دقائق من ظهيرة السادس من أكتوبر عام 1973، انطلقت أولى شرارات النصر على ضفاف قناة السويس، كان المشهد أشبه بزلزال عسكري يهز الأرض تحت أقدام العدو، حين دوّت جبهة القناة بأصوات آلاف المدافع المصرية، في أعظم تمهيد نيراني شهدته الحروب الحديثة، قاد الفريق محمد سعيد الماحي، قائد المدفعية المصرية، واحدة من أضخم عمليات القصف في التاريخ، لتكون البداية الحاسمة لعبور الجيش المصري نحو سيناء وكتابة صفحة المجد.
الضربة النيرانية الكبرى
على مدار 53 دقيقة متواصلة، أمطرت المدفعية المصرية مواقع العدو بنيران كثيفة لم يسبق لها مثيل، ففي الدقيقة الأولى وحدها أُطلقت 10,500 دانة، أي بمعدل 175 دانة في الثانية، استهدفت حصون خط بارليف المحصنة ومراكز العدو الدفاعية، أصيب الجيش الإسرائيلي بالشلل التام، وفقد القدرة على التنظيم والرد، بينما كانت القوات المصرية تستعد للعبور تحت ستار هذه النيران المدوية.
تمهيد للعبور العظيم
لم يكن القصف عشوائيًا، بل كان خطة دقيقة منسقة، فقد بدأ القصف الأول لمدة 15 دقيقة، ليؤمن تقدم جماعات اقتناص الدبابات نحو مواقعها الأمامية، ثم أعقب ذلك قصف ثانٍ استمر 22 دقيقة، فتح الطريق للقوات المهاجمة لعبور الساتر الترابي ومنع العدو من استخدام تحصيناته، بفضل هذه الخطة المحكمة، عبرت قوات المشاة القناة بأقل خسائر، وتمكنت من التقدم داخل سيناء.
الصواريخ المحمولة على الأكتاف.. سلاح المفاجأة
في خضم المعركة، ظهرت المدفعية الصاروخية المحمولة على الكتف كعامل حاسم، فقد رافقت الموجات الأولى للعبور، لتدمر الدبابات الإسرائيلية في كمائن سريعة، وتستهدف مخازن الذخيرة والاحتياطات القريبة، كما ساعدت في حماية المهندسين أثناء إنشاء الكباري العائمة، وضمنت استمرار تدفق القوات عبر القناة.
لحظات التحدي في الليلة الأولى
لم تخلُ المعركة من مواقف عصيبة، ففي الليلة الأولى واجه الجيش الثالث أزمة عند تعثر إنشاء أحد الكباري، مما أخر عبور الدبابات والمدفعية الثقيلة، ومع تعرض القوات المصرية لنيران كثيفة من الدبابات الإسرائيلية، كان المشهد أقرب إلى معجزة حين صمد الجنود باستخدام الصواريخ المضادة للدبابات، حتى تمكن المهندسون من إكمال الكوبري وفتح الطريق أمام القوات الثقيلة لتغيير مسار القتال.
لم يقتصر دور المدفعية على القصف التمهيدي، بل تولت مهام دقيقة أخرى، منها فتح ثغرات في حقول الألغام والأسلاك الشائكة، ما سهل اقتحام حصون بارليف واحدًا تلو الآخر، حتى فقدت قيمتها الدفاعية وأصبحت بلا جدوى هنا تحولت المعركة إلى مواجهة مباشرة بين الجندي المصري والجندي الإسرائيلي، وكان النصر حليف الإرادة والشجاعة.
المدفعية.. سلاح المجد والفخر
لقد أثبتت المدفعية المصرية أنها اليد الحديدية للقوات المسلحة، وسلاح النصر في حرب أكتوبر بفضل قوتها وتخطيطها، تمكن الجيش المصري من تحطيم أسطورة خط بارليف وفتح الطريق أمام تحرير الأرض، وكانت المدفعية بحق “سلاح المجد والفخر والشرف”، الذي رسخ في ذاكرة الوطن أن الإرادة تتفوق على كل تحصين، وأن الجندي المصري قادر على مواجهة الحديد بالإيمان والشجاعة.



