النهر الجديد.. مشروع القرن الذي يعيد رسم خريطة المياه والزراعة في مصر
أسماء صبحي– تواصل مصر تنفيذ واحد من أضخم المشروعات القومية في تاريخها الحديث وهو مشروع “النهر الجديد” الذي يعد نقلة استراتيجية في ملف الأمن المائي والزراعي. ويشكل شريانًا موازيًا لنهر النيل يمتد من الدلتا الجديدة حتى مدينة الشيخ زايد غرب القاهرة. ويهدف هذا المشروع الطموح إلى تعزيز منظومة الري وتوفير مصادر مائية إضافية للمناطق الجديدة. في خطوة تعكس رؤية مصر بعيدة المدى لمواجهة تحديات ندرة المياه والتغيرات المناخية.
رؤية استباقية
يأتي المشروع في توقيت بالغ الأهمية تزامنًا مع استمرار الخلافات بين مصر وإثيوبيا بشأن سد النهضة وعدم التوصل لاتفاق شامل حول تشغيله. ومن هذا المنطلق، اتجهت القاهرة إلى اعتماد سياسات استباقية لحماية مواردها المائية. كان أبرزها تدشين النهر الجديد كحل هندسي وتنموي شامل يقلل من التأثيرات المحتملة لأي تقلبات في حصة مصر من مياه النيل.
كما تزامن ذلك مع جهود موسعة تضمنت زيادة تصريف المياه من السد العالي وتنفيذ نحو 1600 منشأة لحماية المحافظات من أخطار الأمطار والسيول، إلى جانب مشروعات تبطين الترع وتوسيع القنوات المائية وتقوية قناطر الدلتا وأسيوط الجديدة. وتواصل مصر أيضًا تجديد وصيانة السد العالي بصفة دورية والاستفادة من مفيض توشكى كمخرج طبيعي آمن لتصريف المياه الزائدة.
مشروع النهر الجديد
يمثل المشروع أكثر من مجرد قناة مائية، فهو مشروع تنموي متكامل يستهدف إعادة توزيع التنمية الزراعية والعمرانية في ربوع مصر. ويمتد مسار النهر لأكثر من 170 كيلومترًا، وينقل المياه المعالجة من محطات بحر البقر والمحسمة إلى مناطق التوسع الزراعي في الدلتا الجديدة وشرق العوينات وصولًا إلى التجمعات العمرانية الحديثة في مدينتي الشيخ زايد و6 أكتوبر.
ويعتمد المشروع على أنظمة ري ذكية ومحطات رفع ضخمة تضمن الاستخدام الأمثل للمياه وتقليل الفاقد. مع التركيز على الاستدامة البيئية واستغلال التكنولوجيا الحديثة في إدارة الموارد. ومن المنتظر أن يسهم المشروع في إضافة ما يقارب 2.8 مليون فدان جديدة إلى الرقعة الزراعية. مما يعزز الاكتفاء الذاتي ويقلل الاعتماد على الاستيراد في المحاصيل الاستراتيجية.
أمن مائي واستقرار وطني
لا يقتصر الهدف من المشروع على الزراعة فقط، بل يمتد ليكون ركيزة للأمن القومي المصري في مواجهة الأزمات المائية المحتملة. فالنهر الجديد يمثل نموذجًا لرؤية الدولة في إعادة توزيع الموارد المائية وربط التنمية بين الدلتا والصحراء، في إطار خطة متكاملة لتحقيق الاكتفاء الغذائي والتنمية المستدامة.
ويؤكد خبراء المياه أن نجاح المشروع يعتمد على تطبيق دقيق لسياسات إدارة الموارد المائية وضمان الشفافية في التمويل والتشغيل. لضمان استمرار تدفق المياه دون انقطاع وتحقيق العائد الاقتصادي المنشود منه.
إدارة أزمة فيضان النيل
وخلال الأيام الأخيرة، شهدت محافظتا المنوفية والبحيرة حالة طوارئ مائية بعد ارتفاع منسوب نهر النيل وغمره أكثر من 1100 فدان من أراضي طرح النهر. وأوضحت وزارة الري أن هذه الأراضي ليست مأهولة بالسكان بل هي مناطق منخفضة اعتادت استقبال المياه الزائدة تاريخيًا خلال موسم الفيضان. كما أشارت الوزارة إلى أن بعض الخسائر جاءت نتيجة تعديات بالمباني والزراعات المخالفة داخل نطاق النهر.
من جانبه، شدد رئيس الوزراء مصطفى مدبولي على ضرورة التزام المواطنين بتعليمات وزارة الري حفاظًا على الأرواح والممتلكات. خاصة بعد زيادة تصريف المياه القادمة من الهضبة الإثيوبية جراء الفتح الأحادي لأبواب السد. وتواصل فرق وزارة الري والموارد المائية مراقبة المناسيب ميدانيًا وتقديم الدعم الفني للمحافظات المتضررة بالتعاون مع الحماية المدنية لتقليل الخسائر وتعويض المتضررين وإزالة التعديات في القرى المنخفضة.
يمثل النهر الجديد تجسيدًا لرؤية مصر المستقبلية في تحقيق الأمن المائي والغذائي. ويعكس تصميم الدولة على خلق واقع مائي جديد يقلل من التبعية للمصادر الخارجية. فبينما تتعامل القاهرة بحكمة مع ملف سد النهضة تواصل في الوقت ذاته بناء مشاريعها القومية الكبرى التي تؤمن مستقبل الأجيال القادمة وتضمن استمرار الحياة على ضفاف نيلها الممتد في الذاكرة والتاريخ.



