القبائل العربية في بلاد الشام.. جذور تاريخية وهوية مستمرة
أسماء صبحي – لا يمكن الحديث عن بلاد الشام دون التطرق إلى القبائل العربية التي شكلت على مدار قرون طويلة ركيزة أساسية في بنية المجتمع. ومكوّنًا رئيسيًا في صياغة التاريخ السياسي والاجتماعي للمنطقة. فمنذ العصور القديمة وحتى اليوم ظلت القبيلة في الشام عنصرًا فاعلًا في الحياة اليومية سواء في الصحراء أو المدن. وساهمت في صنع الأحداث الكبرى والتحولات السياسية.
القبائل العربية قبل الإسلام
قبل بزوغ فجر الإسلام كانت الشام مسرحًا لاستقرار عدد من القبائل العربية التي هاجرت من الجزيرة. برزت قبائل مثل الغساسنة الذين أقاموا مملكة مسيحية حليفة للبيزنطيين في جنوب الشام. والتنوخيين الذين أسسوا إمارة قوية في مناطق البادية، إلى جانب الأنباط الذين بسطوا نفوذهم على مناطق البتراء وامتداداتها.
لعبت هذه الكيانات القبلية دورًا محوريًا في رسم الخارطة السياسية والاجتماعية قبل الإسلام. كما أسهمت في التفاعل الحضاري والتجاري بين العرب وجيرانهم من الفرس والروم.
الفتح الإسلامي والاستقرار العربي
مع الفتوحات الإسلامية في القرن السابع الميلادي، شهدت بلاد الشام موجات واسعة من الاستقرار العربي. فقد استوطنت قبائل مثل كلب وتميم وقيس مناطق واسعة من سوريا والأردن وفلسطين وأسهمت في ترسيخ الطابع العربي للمنطقة. والقبيلة لم تكن مجرد رابطة دم، بل مثلت وحدة سياسية واجتماعية متماسكة وكان لها دور بارز في الجيش والإدارة.
القبائل في العصور الوسطى
مع تعاقب الدول الإسلامية على بلاد الشام، برزت أسماء قبلية تركت بصمة واضحة في التاريخ. من أبرزها قبيلة آل فضل التي تولى أفرادها منصب “أمير العرب” خلال العصر المملوكي والعثماني. حيث تولوا مهمة ضبط البادية وتأمين طرق التجارة بين دمشق والعراق. كما لعبت قبائل كبرى مثل بني كلب وشمر وعنزة أدوارًا مهمة في موازين القوى سواء عبر تحالفاتهم مع السلطة أو عبر نزاعاتهم مع القبائل الأخرى.
العهد العثماني وإعادة تشكيل القبيلة
في ظل الدولة العثمانية، أعادت القبائل ترتيب مكانتها. حصل زعماء العشائر على امتيازات من السلطة المركزية مقابل ضمان الأمن وجمع الضرائب. وقد برزت في تلك المرحلة قبائل مثل الحسنة التي بسطت نفوذها في مناطق حماة وحمص. إلى جانب قبائل النعيم التي استقرت في دمشق وريفها وامتدت إلى لبنان والجولان. العثمانيون تعاملوا مع القبيلة باعتبارها أداة للضبط الاجتماعي، وفي الوقت نفسه مصدر قلق بسبب تمرداتها المتكررة.
الانتداب الفرنسي وصياغة جديدة للنفوذ
عقب سقوط الدولة العثمانية وخضوع سوريا ولبنان للانتداب الفرنسي. حاولت السلطات الفرنسية دمج القبائل في بنيتها الإدارية عبر منح الزعماء المحليين مقاعد في المجالس التشريعية، وتوزيع الامتيازات المالية عليهم. هذا النهج عزز من نفوذ بعض الأسر القبلية، لكنه خلق في الوقت ذاته فجوة بين الزعامات التقليدية وقواعدها الشعبية.
القبائل العربية في المجتمع السوري الحديث
مع تأسيس الدولة السورية الحديثة، بدأت القبيلة تفقد بعضًا من دورها السياسي المباشر لكنها ظلت قوة اجتماعية معتبرة. فالعشيرة بقيت مرجعية أساسية لحل النزاعات المحلية، وأداة للتكافل الاجتماعي، خصوصًا في الأرياف والمناطق الصحراوية. غير أن التحولات الكبرى التي شهدتها سوريا في العقود الأخيرة ولا سيما اندلاع الحرب عام 2011، أعادت للقبيلة دورها بقوة إذ تحولت إلى شبكة حماية ولجوء لأبنائها في ظل انهيار مؤسسات الدولة.



