خالد بن الوليد الذي أشعل معركة اليرموك الفاصلة

في صيف قائظ، تحرك جيش المسلمين بقيادة خالد بن الوليد من الجابية نحو أذرعات، حتى استقروا على ضفاف نهر اليرموك، وتحديدًا عند فرع منه يعرف بنهر الحرير، وعلى الضفة المقابلة اتخذ جيش الروم بقيادة باهان موقعه في دير أيوب، يفصل بينهما مجرى الماء المتدفق وكأنه حاجز طبيعي يؤجل لحظة الاصطدام الكبرى، كان كلا الجيشين يترقب الآخر بعيون ساهرة، يعد العدة لواقعة ستقرر مصير الشام.
قصة معركة اليرموك
الإمدادات كانت تتدفق للطرفين بسهولة، فالروم بجيشهم الجرار الذي بلغ مئتي ألف مقاتل اعتمدوا على البحر الأبيض المتوسط، حيث تجلب لهم السفن الطعام والسلاح دون انقطاع، أما المسلمون وعددهم لم يتجاوز ثلاثة وثلاثين ألفًا فقد كانت فلسطين والأردن بين أيديهم، أرضًا خصبة عامرة بالخيرات، تضمن لهم المؤن وطرق الإمداد الآمنة.
لكن الروم وقد رأوا هذا التوازن أرادوا أن يكسروا الانتظار بحسم سريع، فدفعوا بفرسانهم خلف خطوط المسلمين على أمل قطع الإمداد، إلا أن عيون خالد بن الوليد لم تغفل، فقاد بنفسه ألفي فارس وانقض على الكمين في معركة خاطفة مزقت صفوف الروم وأوقعت فيهم خسائر فادحة، قبل أن يلوذ الناجون بالفرار عائدين إلى دير أيوب مثقلين بالهزيمة.
حينها أدرك باهان أن سيوف المسلمين لا تعرف هوادة، فاختار أن يجرب طريق المفاوضات، فأرسل رسولًا إلى خالد يحمل عرضًا للصلح لم يسبق للروم أن قدموا مثله، ففي بيسان كان العرض ألف دينار للأمير، وألفان للقائد الأعلى، ودينار لكل جندي بما مجموعه سبعون ألف دينار، أما الآن فقد ضاعف باهان العرض خمسة أضعاف، عشرة دنانير لكل جندي أي ثلاثمئة وثلاثون ألف دينار، فوق دابة محملة بالطعام والكسوة والجلود لكل مقاتل تكفيه عامًا كاملًا، بل وعد أن يجدد العرض في العام المقبل إذا عاد المسلمون من جديد.
عرض لو جاء إلى جيش يقاتل من أجل الدنيا لكان كافيًا لثنيه عن القتال، لكنه سقط أمام عزيمة خالد بن الوليد، فنظر خالد إلى الرسول بعين حادة وقال كلمته الخالدة الإسلام أو الجزية أو القتال، لم يكن هناك مجال للمساومة.
عندها فقط أدرك الروم أنهم يواجهون رجالًا لا تحركهم مطامع المال، بل يقاتلون من أجل عقيدة وإيمان، فأيقن باهان أن ساعة المعركة الكبرى قد دنت وأن مصير الشام سيتحدد قريبًا على ضفاف اليرموك.



