قصة قبيلة الجميلات في الأفلاج وقصر سلمى رمز الصمود والهجرة التاريخية

في قلب منطقة الأفلاج، حيث تلتقي الرمال بالواحات الخضراء، يقف قصر سلمى شاهداً على فصل مجيد من تاريخ قبيلة الجميلات، فهو لم يكن مجرد مسكن، بل حصن استراتيجي ورمز للعزة القبلية، بناه الأمير حماد الجميلي في منتصف القرن العاشر الهجري ليكون ملاذاً آمناً وقلعة دفاعية في مواجهة تهديدات شريف مكة.
قصة قبيلة الجميلات في الأفلاج
تصور هندسة القصر الدفاعية العبقرية: أسوار ضخمة بعرض أربعة أمتار وارتفاع عشرة أمتار أو أكثر، مصممة سداسية الشكل مع أبراج مراقبة في كل زاوية، وخندق بعرض وعمق عشرة أمتار يُملأ بالماء عند الخطر، جعل القصر أشبه بجزيرة منيعة وسط الصحراء، وقد صمد أمام حصار الجيش الأربعيني الذي أرسله شريف مكة، حتى أصبحت عبارته الشهيرة “وجدنا سلمى، أسفلها بالماء وأعلاها في السماء” رمزاً لصمود القبيلة.
رغم ذلك، وفي عام 989 هـ، تمكن الشريف أبو نمي الثاني من هزيمة الأمير حماد وفرض الجزية، إلا أن قصر سلمى ظل رمزاً خالداً للقبيلة، وسميت إحدى نخواتهم “أخوان سلمى”، ويظل القصر قائماً في قرية البديع الشمالي شاهداً على شجاعة الأمير حماد وأبناء الجميلات.
تنحدر قبيلة الجميلات من كتلة هوازن العظيمة التابعة لقيس عيلان المضرية العدنانية، مما يجعلها من القبائل العربية العريقة. مساكنهم الأصلية كانت في صميم نجد والحجاز، وينسب أبناء القبيلة إلى الأمير فيصل الجميلي الملقب أبي الكرم، الذي شكل هويتهم القبلية، حيث توارث النسب كما يلي: علي بن محمد بن الأمير فيصل بن عوف بن سعد بن بغيض بن عمران بن عدي، وصولاً إلى هوازن وقيس عيلان وعدنان، ومن أشهر ألقابهم النسبية بني خرص.
شاركت القبيلة في تغريبة بني هلال في القرن الخامس الهجري، فهاجرت مجموعات نحو الشام ومصر، بينما بقي جزء من القبيلة في الأفلاج، مشكلاً النواة الصلبة للجميلات في الجزيرة العربية، مع الحفاظ على أواصر النسب والانتماء رغم التشتت الجغرافي.
عقب الهزيمة أمام الشريف، تشتت أبناء الجميلات بين شرق الجزيرة العربية حيث استقروا في الإحساء والقطيف والكويت والبحرين وقطر والإمارات وعمان، والشمال نحو حفر الباطن ورفحاء وعمق العراق، بينما بقي جزء صامد في الأفلاج، فاندمج مع قبائل قوية مثل بني حسن والدواسر، محافظاً على هويته وقيمه القبلية.
يشكل الانضمام إلى حلف الدواسر فصلاً مهماً في تاريخ الجميلات، حيث استطاعت القبيلة دمج نفسها ضمن هذا التحالف القوي بعد الهجرة التاريخية، ما يعكس مرونتها وقدرتها على التكيف مع التحولات السياسية والاجتماعية، محافظين على نسبهم وهويتهم عبر العصور.



