طبق المرقوق: أكلة بدوية أصيلة تنبض بعبق الصحراء
أسماء صبحي – في عمق الصحراء حيث البساطة والاعتماد على الموارد المتاحة. برع البدو في إعداد أكلات مميزة تجمع بين القيمة الغذائية والسهولة في التحضير. ومن بين هذه الأكلات التي لا تزال تحمل مكانة خاصة حتى اليوم طبق المرقوق. وهي وجبة بدوية عريقة اشتهرت في شبه الجزيرة العربية خاصة في نجد والبادية. وتمثل أحد أبرز أطباق التراث التي تعكس مهارة المرأة البدوية في صناعة الطعام من مكونات متواضعة.
أصل طبق المرقوق
يرتبط المرقوق بالحياة البدوية القائمة على الاعتماد على الحبوب واللحوم كغذاء أساسي. فقد كان القمح يطحن في البيوت ويعجن ليُصنع منه خبز رقيق يقطع إلى شرائح تطبخ مع المرق واللحم والخضار. ومن هنا جاءت تسمية “المرقوق” أي العجين المرقوق (الممدود). وكانت هذه الطريقة مثالية لتوفير وجبة مشبعة وغنية بالطاقة تلائم حياة البدو التي تتطلب مجهودًا جسديًا كبيرًا.
مكونات المرقوق
- العجين: المصنوع من دقيق القمح الأسمر والماء والملح، حيث يفرد حتى يصبح رقيقًا جدًا.
- المرق: يحضر من لحم الضأن أو الجمل غالبًا، ويضاف إليه البصل والبهارات التقليدية مثل الكمون والكركم والفلفل الأسود.
- الخضار: مثل الكوسة، القرع، الطماطم، والباذنجان، ما يمنح الطبق قيمة غذائية عالية.
- الدهون: غالبًا ما كان يستخدم السمن البري لإضفاء نكهة مميزة.
طريقة التحضير التقليدية
كانت النساء في البادية يقمن بفرد العجين يدويًا على شكل رقائق رفيعة جدًا ثم تقطع وتضاف مباشرة إلى قدر المرق المغلي مع اللحم والخضار. وبمجرد أن تنضج تمتص النكهات وتصبح الوجبة خليطًا متجانسًا من المذاق الغني والملمس الطري.
الدور الاجتماعي والثقافي
- وجبة الكرم: لم يكن المرقوق مجرد طعام عادي، بل كان يحضى في المجالس الكبيرة عند استقبال الضيوف، كدليل على الكرم والاحترام.
- غذاء العائلة: في الحياة اليومية، كان المرقوق وجبة أساسية تقدم في أوقات الاجتماع العائلي، حيث يلتف الجميع حول القدر الكبير ويتقاسمونه.
- قيمة رمزية: ارتبط المرقوق بالتراث البدوي كرمز للاكتفاء الذاتي إذ اعتمد على مكونات محلية متاحة. ما يعكس قدرة البدو على التأقلم مع بيئتهم الصحراوية.
التحولات عبر الزمن
مع دخول الحضارة وتطور أساليب الطهي ظل المرقوق حاضرًا في البيوت الخليجية والسعودية بشكل خاص. لكن أضيفت إليه لمسات حديثة مثل استخدام أواني الطهي المتطورة أو إدخال خضروات جديدة. ورغم هذه التغييرات، بقيت طريقة إعداده التقليدية محببة في المناسبات التراثية والمهرجانات.
اليوم يعتبر المرقوق من أبرز الأكلات الشعبية التي تُقدَّم في المهرجانات الوطنية والاحتفالات التراثية في المملكة العربية السعودية والخليج. كما أن كثيرًا من المطاعم الشعبية تقدم هذا الطبق كجزء من قائمة “الأكلات النجدية الأصيلة”. ليظل شاهدًا على ارتباط الناس بماضيهم وهويتهم البدوية.



