السروال البدوي: قطعة ملابس تعكس هوية وثقافة الصحراء
أسماء صبحي– قلب الصحراء الممتدة من شبه الجزيرة العربية إلى شمال أفريقيا. لم تكن الملابس مجرد ستر للجسد بل وسيلة للتكيف مع الطبيعة القاسية وحمل رموز الهوية الثقافية. ومن أبرز القطع التي ارتبطت بالقبائل البدوية عبر التاريخ السروال البدوي الذي تميز باتساعه وخفته ومتانته. ورغم بساطته إلا أن تصميمه حمل دلالات اجتماعية ورمزية وجعله جزءًا أساسيًا من حياة الرجل البدوي والمرأة البدوية على حد سواء.
أصول السروال البدوي
يعود تاريخ السروال البدوي إلى قرون طويلة، إذ كان يُعتبر اللباس الأكثر عملية في الصحراء. وصمم ليمنح الراحة أثناء التنقل على ظهور الإبل والخيل وليوفر حرية الحركة خلال العمل اليومي أو الرحلات الطويلة.
وتشير بعض الدراسات إلى أن هذا النمط من السراويل قد تأثر بالملابس العربية القديمة. التي بدورها استمدت عناصر من الحضارات المجاورة كالفارسية والرومانية.
الخصائص المميزة للسروال
- الاتساع والراحة: أكثر ما يميز السروال البدوي هو اتساعه الملحوظ، حيث صُمم بأرجل فضفاضة جدًا. تبدأ واسعة عند الخصر وتنتهي ضيقة عند الكاحل. ويتيح هذا التصميم التهوية مما يساعد البدوي على تحمل حرارة النهار، كما يمنحه حرية الحركة في المشي وركوب الإبل.
- الخامة المستخدمة: ينسج السروال غالبًا من القطن أو الكتان الخفيف في المناطق الحارة. بينما في المناطق الباردة مثل بادية الشام قد يحاك من الصوف السميك ليمنح الدفء. وكانت الأقمشة تصبغ بألوان طبيعية، أبرزها الأبيض والأزرق والأسود، ولكل لون دلالته الاجتماعية.
- الخصر العالي: غالبًا ما يشد السروال بحزام جلدي أو شريط منسوج يسمى “الزنار” ويساعد على تثبيته أثناء الحركة والعمل.
الوظائف الاجتماعية والثقافية
- لباس يومي وعملي: كان السروال يستخدم في الحياة اليومية، سواء في الترحال أو الرعي أو الأعمال المنزلية. فهو يوفر سهولة في الحركة ويحمي من الغبار وحرارة الرمال.
- دلالة على المكانة الاجتماعية: في بعض القبائل كان نوع القماش المستخدم في السروال يرمز إلى المكانة الاجتماعية. فالسروال المنسوج من القطن الفاخر أو المزخرف بالخيوط الملونة كان يُلبس في المناسبات الخاصة ويُظهر الوجاهة.
- دور في الزي التقليدي: لم يكن السروال قطعة منفصلة، بل كان جزءًا من منظومة الزي البدوي. فالرجل غالبًا ما يرتديه تحت العباءة أو “البشت”، فيما كانت المرأة ترتديه مع الثوب الطويل المطرز.
التحولات التاريخية
مع انتشار الإسلام، أصبح السروال جزءًا من اللباس الشرعي للرجل والمرأة نظرًا لكونه يستر الجسد ويحقق الحشمة. وقد ورد في بعض الأحاديث ذكر “السراويل” كلباس مأذون به.
وفي الفترة العثمانية، تطور تصميم السروال، حيث أضيفت له لمسات زخرفية وألوان متعددة. خصوصًا في بادية الشام وشمال الجزيرة ليتحول من لباس عملي إلى زي تقليدي يفتخر به.
مع دخول الملابس الغربية وتبدل أنماط الحياة، بدأ السروال البدوي يتراجع في الحياة اليومية. لكنه ظل حاضرًا بقوة في المناسبات الشعبية والمهرجانات التراثية وأصبح رمزًا للهوية البدوية الأصيلة.
السروال البدوي في حياة المرأة
لم يقتصر السروال على الرجال، بل ارتدته النساء البدو أيضا لكن بنمط مختلف. كان أوسع وأكثر زخرفة وغالبًا ما يُرتدى تحت الثوب المطرز المطرود. وأضفن النساء لمسات خاصة مثل الخيوط الملونة أو التطريز اليدوي عند الأطراف.
ويقول الدكتور خالد العتيبي الباحث في التراث البدوي، إن السروال البدوي ليس مجرد لباس بل هو نتاج بيئة وتاريخ طويل من التكيف مع الصحراء. ويعكس تصميمه العملي عبقرية البدو في مواجهة الظروف المناخية. بينما رمزيته الاجتماعية تجعله شاهدًا على هوية جماعية لا تزال حاضرة في الوجدان حتى وإن تغيّر شكل الحياة اليوم.



