قبائل و عائلات

قبيلة القطعان في مطروح: حراس التاريخ وورثة الأرض

أسماء صبحي – في قلب الصحراء الغربية المصرية، وعلى امتداد حدودها الغربية مع ليبيا. تستقر قبيلة عربية عريقة تعرف باسم قبيلة القطعان. وهي من أبرز المكونات القبلية في محافظة مطروح. ولعب دورًا محوريًا في تشكيل الهوية الثقافية والاجتماعية للمنطقة. واحتفظت بخصوصيتها وسط التغيرات السياسية والجغرافية التي مرّت بها مصر منذ قرون.

يعود تاريخ القطعان إلى قرون طويلة من الترحال والاستقرار. وهم يعرفون بتمسكهم بالأعراف البدوية والكرم والشهامة، كما أنهم من أوائل القبائل التي ساهمت في ربط مطروح بالعمق الليبي والتاريخ المشترك مع عرب برقة. ويمثل حضورهم اليوم شاهدًا حيًا على التوازن بين الأصالة والتحديث في البيئة الصحراوية.

أصول قبيلة القطعان التاريخية

ينتمي أفراد القبيلة إلى القبائل العربية العدنانية، وتحديدًا إلى بني سليم التي هاجرت إلى شمال إفريقيا في أعقاب الفتح الإسلامي. ومن هناك استقر بعض فروعها في برقة ثم تحركوا غربًا وجنوبًا ليستقروا في مناطق واسعة من مطروح والصحراء الغربية. حيث أطلق عليهم اسم “القطعان” نسبة إلى جدهم الأكبر.

القطعان من القبائل التي احتفظت بوثائق النسب الشفهي والمكتوب. وتوارث أبناؤهم قصص الهجرة والانتماء العربي جيلاً بعد جيل. وقد ساعد هذا التاريخ في تعزيز مكانة القبيلة داخل منظومة القبائل الكبرى مثل أولاد علي والعبيدات في المنطقة الغربية لمصر.

الموقع الجغرافي

تتوزع القبيلة على مساحة واسعة من محافظة مطروح، وبشكل خاص في المناطق الجنوبية والغربية منها. مثل سيدي براني، النجيلة، وبعض المناطق المتاخمة لواحة سيوة. وتتمتع القبيلة بارتباط وثيق بالأراضي الصحراوية التي تعتمد على مياه الآبار والأمطار الموسمية.

ورغم الظروف المناخية القاسية، استطاع القطعان أن يطوروا أساليب معيشة تتناسب مع بيئتهم. فاختاروا مواقعهم بعناية قرب مصادر المياه، واعتنوا بالإبل والأغنام كمصدر رئيسي للحياة اليومية. مما ساعدهم على الثبات والاستمرار في مناطق لم تكن دائمًا سهلة للعيش.

الهيكل الاجتماعي والعرف القبلي

تتمسك قبيلة القطعان بنظام قبلي تقليدي يقوم على وحدة العشيرة والعائلة الممتدة. ويدار الشأن الداخلي للقبيلة عبر مشايخ يترأسون مجالس عرفية للفصل في النزاعات وتسيير شؤون الأفراد. ويعرف هذا النظام باسم “الرباعة”، وهو مجلس قبلي يحظى بالاحترام ويُحتكم إليه في جميع المسائل الاجتماعية.

يشتهر القطعان بالاحتكام إلى العرف البدوية التي تتضمن قيم الصلح، والدية، والضيافة، وحماية الضيف. ولا يزال كبار السن يحتفظون بسجلات ذهنية معقدة من هذه الأعراف التي تنتقل شفهيًا عبر الأجيال. مما يجعل النظام القبلي أداة استقرار اجتماعي فعالة حتى اليوم.

اللغة والعادات والتقاليد

يتحدث أبناء القبيلة باللهجة البدوية التي تعرف بتشابهها الكبير مع لهجات عرب برقة. حيث تحتوي على مفردات ذات جذور فصيحة إلى جانب كلمات مستمدة من البيئة الصحراوية الليبية. وتمثل اللغة عند القطعان أداة للحفاظ على الهوية والانتماء والتواصل بين الأجيال.

أما عاداتهم، فتظهر بوضوح في حفلات الزواج والمناسبات العامة. حيث تقام الولائم في الخيام الكبيرة، ويعزف على آلة الربابة، وتنشد الأشعار البدوية التي تمدح الشجاعة والنسب والكرم. كما يحتفلون بالمناسبات الدينية والاجتماعية بطابع خاص يميزهم عن سكان المدن.

الأنشطة الاقتصادية

تعد تربية الماشية من أبرز الأنشطة الاقتصادية التي يمارسها أبناء القطعان. وخاصة الأغنام والإبل التي تعتمد على المراعي الطبيعية الموسمية في مناطق مثل الحمام والسلوم. كما يمارس بعضهم الزراعة في المناطق القريبة من الآبار، خاصة زراعة التمر والزيتون.

ومع التطور العمراني وانتشار التعليم، انخرط العديد من أبناء القبيلة في وظائف الدولة مثل الشرطة والجيش والتعليم. فيما سعى البعض الآخر إلى العمل في التجارة أو الهجرة المؤقتة إلى المدن الكبرى مثل الإسكندرية والقاهرة. مما وفر لهم موارد إضافية وأفقًا اجتماعيًا جديدًا.

قبيلة القطعان والمقاومة الوطنية

لعبت قبيلة القطعان دورًا بارزًا في مقاومة الاحتلال الإيطالي أثناء احتلاله لليبيا. خاصة وأن بعض فروع القبيلة كانت على اتصال مباشر بالثوار الليبيين بقيادة عمر المختار. وقد شارك رجال القبيلة في تقديم الإمدادات والمأوى للمقاومين، مستفيدين من درايتهم بالطرق الصحراوية.

كما واجه أفراد القبيلة الاستعمار البريطاني في بعض مراحل تاريخه بمصر. من خلال التعاون مع قبائل أخرى في مطروح وسيوة، وكانت مواقفهم الوطنية محل تقدير من الدولة المصرية في مراحل لاحقة. حيث تم تكريم بعض رموزهم وتسجيل بطولاتهم في سجلات القبائل.

ويقول الدكتور إبراهيم السعداوي، أستاذ الأنثروبولوجيا بكلية الآداب جامعة الإسكندرية، إن قبيلة القطعان من أكثر القبائل محافظة على البنية القبلية الأصيلة في مصر. وهي من المكونات التي تشكل مع قبائل مثل أولاد علي، الجوازي، والعبيدات، عمقًا ثقافيًا واجتماعيًا في الصحراء الغربية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى