الحرف اليدوية المهددة بالاندثار في الخليج: جهود الإحياء والتوثيق
أسماء صبحي – تعد الحرف اليدوية أحد أقدم أشكال التعبير الثقافي في منطقة الخليج العربي. إذ عكست عبر القرون المهارات المتوارثة والممارسات الحياتية لسكان المنطقة، سواء في الصحراء أو على سواحل البحار. لكن مع تطور الحياة، وتغير أنماط الاستهلاك والإنتاج أصبحت كثير من هذه الحرف مهددة بالاندثار. مما استدعى تحركًا من الحكومات والجهات الثقافية للحفاظ عليها من الضياع.
أصالة الحرف اليدوية
الحرف اليدوية التقليدية في دول الخليج متنوعة، من أبرزها: السدو (حياكة الصوف على الطريقة البدوية). صناعة السفن الخشبية (التي استخدمت في الغوص على اللؤلؤ). الخوصيات (منتجات تصنع من سعف النخيل)، صياغة الذهب والفضة، وصناعة الفخار، والجلديات. وكانت هذه الحرف تشكل جزءًا أساسيا من الاقتصاد المحلي قبل اكتشاف النفط. وتمثل نمط حياة متكامل قائم على الاكتفاء الذاتي.
لكن مع التحول نحو الاقتصاد الحديث، والعولمة، وتغير الأذواق، واجهت هذه الحرف خطر النسيان. إذ هجرها كثير من الحرفيين بسبب قلة العائد المادي وصعوبة التسويق كما لم تجد من يرثها في الجيل الجديد المنشغل بالتعليم والتقنيات الحديثة.
جهود حكومية وثقافية
لم تقف دول الخليج مكتوفة الأيدي أمام هذا الخطر، بل بادرت خلال العقدين الأخيرين إلى تنفيذ برامج لإحياء وتوثيق الحرف التقليدية. إدراكًا لأهميتها كجزء من الهوية الوطنية ومصدرًا محتملاً للسياحة الثقافية.
في الإمارات، على سبيل المثال، تم تأسيس “برنامج الحرف اليدوية التقليدية” من قبل هيئة أبوظبي للثقافة والتراث. الذي يشمل تدريب الشباب على الحرف القديمة وتوثيقها رقميًا. كما ينظم “سوق الحرفيين” بشكل دوري في المهرجانات التراثية الكبرى مثل “مهرجان الشيخ زايد التراثي”.
أما في السعودية، فقد أطلقت “هيئة التراث” مبادرة “بيت الحرفيين”. الذي يعمل كمركز لتعليم وصقل مهارات الحرف التقليدية، مع تخصيص معارض لبيع منتجاتهم. كما تم تسجيل السدو في قائمة اليونسكو للتراث غير المادي بالتعاون مع دول خليجية أخرى.
وفي الكويت، تهتم “دار الآثار الإسلامية” ومؤسسة “لوياك” بدعم الحرف التراثية عبر الورش والبرامج الصيفية. كما تولي وزارة الثقافة القطرية أهمية خاصة للحرف النسائية مثل التطريز والخوصيات. وتعمل على دمجها في المعارض الدولية.
تحديات مستمرة وآفاق مستقبلية
رغم هذه الجهود، ما تزال التحديات قائمة، وعلى رأسها ضعف الاهتمام المجتمعي، وغياب سوق مستقر للمنتجات اليدوية، ونقص الحرفيين الشباب. لكن الأمل ما يزال قائمًا في دمج هذه الحرف مع مفاهيم ريادة الأعمال، والتصميم العصري. لتتحول من تراث معرض للنسيان إلى منتجات تناسب ذوق العصر وتروج كجزء من الهوية الخليجية.



