عاطف السادات الذي اقتحم السماء وحده ومات واقفًا على حافة النصر

في صيف عام 1968، وقف عاطف السادات على بوابة الكلية الجوية، يرتدي زيه العسكري الذي احتضن كتفيه بقوة، لكن قلبه كان مشحونًا بمرارة نكسة 1967، لم يجد للفرح طعمًا وسط انكسار الكرامة، لكنه لم يسمح لليأس أن يتسلل إليه، كانت نظراته الحادة وإرادته الصلبة سلاحه الأول.
من هو عاطف السادات
بدأت التدريبات فورًا، قاسية ومكثفة، كأنها تصنع رجالًا من نار.
شحذت مهاراتهم كما تُشحذ السكاكين، وكل طلعة تدريب كانت خطوة نحو المعركة، ومع انطلاق حرب الاستنزاف، كان النقيب عاطف يطير بطائرته السوخوي سبعة فوق سيناء، يخوض عشرات الطلعات، كل ضربة كانت تصفع غرور العدو، ذلك الذي توهم أنه لا يُهزم.
كان قلبه يغلي بالرغبة في الثأر، يحلم باللحظة التي يجتاح فيها سيناء دون تراجع، وحين دقت الساعة الثانية من ظهر السادس من أكتوبر عام 1973، انطلق عاطف في الطلعة الأولى، كأن دقات قلبه تصرخ بصوت الملايين.
حلّق بطائرته، عبر قناة السويس، واتجه مباشرة نحو مطار المليز في شرم الشيخ.
وصل إلى هدفه بدقة، أطلق صواريخه على بطاريات الدفاع الجوي، فاندلعت النيران، وتحول الموقع إلى رماد، لكن عاطف لم يغادر، دار حول الهدف مرتين، عينه لا تغفل، يتأكد أن المهمة تمت، حيث أنه مناوراته كانت مذهلة، يخترق السماء كأنه برق.
وفي الدورة الثالثة، وبينما يبلغ زملاءه أن المهمة أنجزت، اخترقته صواريخ أمريكية.
تحولت طائرته إلى كرة لهب، وتحطمت وسط سيناء، ارتوت الأرض بدمه الطاهر،نال الشهادة، لكنه في لحظة موته فتح باب النصر، وشل دفاعات العدو، ومهد لهجوم الجيش المصري الكاسح.
وفي قلب الدمار، يقف جندي إسرائيلي يروي ما شاهده.
قال إن ذلك اليوم كان هادئًا، ولم يكن بالمطار سوى قلة، وفجأة ظهرت طائرتان مصريتان.
الأولى ضربت الممرات، أما الثانية فكانت كأنها الموت المجنح.
طيارها أصاب البطاريات والصواريخ، وجعل الدفاعات مشلولة.
يحكي الجندي أنه حاول مع زميله إطلاق النار عليه، لكن الطيار المصري انقض عليهما كالصقر.
أطلق رصاصه، فأصاب زميله إصابة قاتلة، وكانت مناوراته لا تصدق.
اعتقدوا أنه طيار أجنبي، إذ لم يظن أحد أن مصريًا يمكنه الطيران بتلك المهارة، وحين تحطمت طائرته بعد إصابته، عرفوا أنه عاطف السادات، شقيق الرئيس.
يقول الجندي إن الرعب تملكهم، وظنوا أن الانتقام قادم، اتصلوا بقيادتهم، فجاء الرد غامضًا، وطلبوا منهم الثبات، وحين جاء وفد الصليب الأحمر لاستلام جثمانه، أدى له الجنود التحية العسكرية، احترامًا لرجل لم يروا له مثيلًا.