من أرض الخراب إلى رمز الحضارة.. حي الأزبكية يسرد فصول التاريخ المصري
يعد حي الأزبكية من أعرق أحياء القاهرة وأقربها إلى ذاكرة المصريين، إذ ارتبط اسمه بسيف الدين أزبك، ذلك المملوكي الذي غيّر ملامح منطقة مهجورة إلى حي نابض بالحياة والرقي، فاستقطب كبار العائلات وأصبح وجهة الأعيان في قلب العاصمة.
أرض مهجورة تتحول إلى حي فاخر
في عام 1475، منح السلطان قايتباي قطعة أرض إلى الأتابك سيف الدين أزبك، فبدأت ملامح الحي في التشكل، وصف المؤرخ ابن إياس في كتابه بدائع الزهور هذه الأرض بأنها كانت خرابًا تغمرها الكيمان وتملؤها الفضلات، وتغمرها مياه النيل في مواسم الفيضان، ولا يميزها سوى وجود ضريحي سيدي عنتر وسيدي الوزير.
كان أزبك يسكن قريبًا من تلك المنطقة، فتأمل في تحويلها إلى حي يليق بمقامه، بدأ بتسوية الأرض وجعلها مرعى لجماله، ثم وسع طموحه، فشق قناة من الخليج الناصري لتغذية البركة بالمياه، وعمل على تنظيفها وتحويلها إلى متنزه جميل يسر الناظرين.
مشروع عمراني ضخم بتكلفة خيالية
أنفق أزبك نحو مئتي ألف دينار لإحياء هذه الأرض، فأنشأ الحمامات العامة والأفران، وشجع الناس على الانتقال والسكن في الحي الجديد، كما نقل مقر إقامته إلى هناك، وأقام جامعًا كبيرًا ليكون مركزًا للحياة الدينية والاجتماعية، وعلى مدى أربعة قرون، احتفظ حي الأزبكية بمكانته كرمز للترف والرقي في القاهرة.
الأزبكية في عهد الفرنسيين، نابليون ضيف دائم
عام 1798، وخلال الحملة الفرنسية على مصر، تردد نابليون بونابرت على دار الخليل البكري في الأزبكية، حيث كان يسعى لفهم الدين الإسلامي وكسب ود المصريين من خلال الاطلاع على ثقافتهم.
نقطة تحول في عهد محمد علي باشا
في الثالث عشر من مايو 1805، شهد ميدان الأزبكية حدثًا مفصليًا، إذ اجتمعت جماهير القاهرة لمبايعة محمد علي واليًا على مصر، رافضين استمرار الحكم العثماني، واستمر محمد علي في الحكم من الحي حتى وقعت محاولة اغتيال ضده من قبل جنود الأرناؤوط، فنقل مقر إقامته إلى قلعة الجبل.
الخديوي إسماعيل يعيد رسم ملامح الحي
حين زار الخديوي إسماعيل باريس عام 1867، أُعجب بالطراز المعماري الفرنسي، فأمر بإعادة تخطيط حي الأزبكية بما يتناسب مع الطابع الأوروبي، كما بُنيت الأوبرا الخديوية والمسرح الكوميدي على أطراف الحي، ما أضفى عليه طابعًا ثقافيًا عصريًا زاد من مكانته.
أيقونة من الجمال الأخضر
تأسست الحديقة عام 1872 بتصميم من المهندس الفرنسي باريل ديشان، وذلك على مساحة ثمانية عشر فدانًا بعد ردم البركة القديمة، استضافت الحديقة مناسبات بارزة مثل الاحتفال بعيد ميلاد الملكة فيكتوريا عام 1887، وتحولت إلى مقصد للترفيه والثقافة، ولا تزال تحتفظ ببعض من بريقها التاريخي حتى اليوم.



