مجالس العزاء في السعودية من مناسبات للحزن والمواساة إلى مظاهر للتباهي والتفاخر

تحولت مجالس العزاء في المملكة العربية السعودية من مناسبات للحزن والمواساة إلى مظاهر للتباهي والتفاخر، حتى بات كثير من السعوديين ينظرون إليها كما ينظرون إلى حفلات الزفاف، من حيث التكاليف العالية والترتيبات الفاخرة التي ترافقها، الأمر الذي أطلق موجة من الجدل والنقاش على مواقع التواصل الاجتماعي، وسط دعوات لإطلاق حملات توعوية تعيد لهذه المجالس هيبتها ومعناها الإنساني.
عادات مجالس العزاء في السعودية
في مدينة الرياض وغيرها من المدن، لم تعد مراسم العزاء تقام بشكل بسيط أو متواضع، بل بات البعض يخطط لها وكأنها مناسبة فرح، حيث تتسابق عائلات عديدة على إقامة سرادقات عزاء أشبه بفنادق خمس نجوم، فتبدأ المراسم بإعلانات نعي فاخرة في الصحف، وتمر بتجهيزات استقبال لافتة، وتنتهي ببذخ واضح في المأكولات والمشروبات التي تقدم للمعزين، وكأن الحزن لا يلغي مظاهر التفاخر الاجتماعي.
هذه الظاهرة التي باتت تنتشر بشكل ملحوظ في المجتمع السعودي، دفعت البعض إلى التحذير من انحراف معنى العزاء عن هدفه الأصلي، إذ صارت بعض العائلات تتنافس في تفاصيل العزاء وتغرق في مظاهر فارهة رغم ألم الفقد، حتى بات بعض الناس يفكر في تكلفة عزائه مستقبلا كما يفكر في نفقات زواجه.
تحدث عبدالله سعود أحد أصحاب الشركات المتخصصة في تنظيم مجالس العزاء عن هذا التحول، وقال إن شركته تلقت طلبات متزايدة من عائلات ترغب في تنظيم عزاء متكامل، يتضمن كراسي فاخرة وصيوانات مزينة وتنظيم بوفيهات مفتوحة، مع فريق ضيافة موحد يقدم الشاي والقهوة للضيوف، وأشار إلى أن بعض العائلات تركز على تفاصيل مثل حجم إعلان النعي في الصحف، وكلما زادت مساحة الإعلان اعتُبر ذلك دليلا على القوة الاجتماعية والمكانة المادية.
كما أوضح أن بعض العائلات تطلب تغطية إعلامية كاملة للعزاء مع حضور مصورين محترفين لتوثيق الحضور، خصوصا إذا شاركت فيه شخصيات معروفة، ورأى أن هذه الممارسات باتت عادية وتشبه ما يحدث في حفلات الزواج من حيث التوثيق والاهتمام بالإخراج العام.
الأمر لا يقتصر على مجلس الرجال، بل يمتد إلى قسم النساء حيث تبرز مظاهر الزينة والموضة، إذ تتفنن بعض النساء في ارتداء العباءات المزركشة واستخدام مساحيق تجميل خاصة بالعزاء، إلى جانب استعراض ماركات عالمية في الملابس والعطور، وهو ما أشارت إليه مغردات على مواقع التواصل الاجتماعي وصفن العزاء بأنه لم يعد وقورا كما في السابق، بل أصبح قريبا في شكله من الاحتفالات الاجتماعية.
من الناحية الشرعية، أكد الباحث محمود الشهري أن هذه المظاهر لا تعود بأي نفع على الميت ولا تصله، وكل ما يُصرف في هذه المجالس يذهب للأحياء فقط، ونصح بتحويل هذه الأموال إلى صدقات جارية تعود بالفائدة الحقيقية على الميت، كما شدد على أهمية التوعية للحد من هذه العادات، التي باتت ترهق أهل الميت بدل أن تخفف عنهم مصابهم، وأوضح أن بعض الناس صاروا يقلقون من تكاليف عزائهم أكثر من قلقهم من فواتير الزواج نفسها، وهو ما يدل على حاجة المجتمع إلى إعادة النظر في سلوكياته تجاه هذه المناسبات.