الزير سالم.. ملحمة الانتقام والحرب التي غيرت تاريخ العرب

تعد قصة الزير سالم من أعظم الملاحم التي خلدها التاريخ العربي قبل الإسلام، حيث تجسد مزيجًا من الشجاعة والفروسية والثأر، وهي جزء لا يتجزأ من التراث الجاهلي الحافل بالحكايات المؤثرة، بطلها هو عدي بن ربيعة التغلبي الذي اشتهر بلقب المهلهل أو الزير سالم، وتميز بشخصيته القوية التي جمعت بين الذكاء والجرأة وحب اللهو، ما جعله رمزًا للطبيعة البشرية المتقلبة.
بداية القصة ومقتل كليب
نشأ الزير سالم في قبيلة تغلب التي كانت من أشهر القبائل العربية، وكان فارسها وشاعرها الأبرز، لكن حياته أخذت منحى مأساويًا بعد مقتل أخيه كليب بن ربيعة ملك تغلب، حيث قتله جساس بن مرة من قبيلة بكر في حادثة أشعلت واحدة من أطول الحروب في تاريخ العرب
كان كليب رجلاً قويًا لكنه متعجرف، ولم يكن يسمح لقطعان الإبل الغريبة بالرعي في أراضيه، وفي أحد الأيام قتل ناقة تدعى سراب تعود إلى امرأة تُدعى البسوس، مما أثار غضب جساس الذي رأى في ذلك إهانة لعائلته، فقرر الانتقام وقتل كليب برمح غادر، قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، كتب كليب بدمه على صخرة رسالة لأخيه الزير سالم قائلاً لا تصالح، مطالبًا إياه بالثأر، ليدخل العرب بعدها في حرب طويلة استمرت لأربعة عقود.
حرب البسوس.. صراع لا يهدأ
قاد الزير سالم قبيلة تغلب في حرب البسوس بكل قوة، رافضًا الصلح أو التراجع حتى يحقق انتقامه، لم تكن هذه الحرب مجرد صراع شخصي، بل تحولت إلى نزاع طويل بين قبيلتي تغلب وبكر، أدى إلى مقتل الآلاف ونشوء حالة من الدمار والانقسام، ورغم محاولات شيوخ القبائل لإيقاف النزاع، ظل الزير متمسكًا بالثأر، رافضًا أي حلول سلمية.
مع مرور السنوات، استطاع الزير سالم أن يحقق انتصارات كبيرة على قبيلة بكر، حتى جاء يوم الثأر حين قتل الجرو بن كليب، ابن أخيه، جساس بن مرة، وبذلك تحققت وصية كليب، وانتهت الحرب بمجازر كبيرة أودت بحياة العديد من أبناء بكر، مما أدى إلى انهيارهم وتفرقهم.
نهاية الزير سالم وبقاء أسطورته
بعد أن أخذ بثأر أخيه، عاش الزير سالم فترة من الهدوء بعد أن أنهكته الحروب، لكن حياته انتهت بشكل غامض، حيث لم يعرف المكان الذي توفي فيه، مما أضفى مزيدًا من الأسطورة على شخصيته، لتظل قصته رمزًا للثأر والإصرار والبطولة في التاريخ العربي.