تاريخ ومزارات

محمد كامل القصاب.. رائد النهضة العلمية والنضال الوطني

ولد محمد كامل القصاب في دمشق عام 1873، وسط بيئة تجارية استوطنت العاصمة السورية منذ قرنين. نشأ يتيماً بعد وفاة والده في سن السابعة، فتولى جده لأمه تربيته. تلقى تعليمه الأولي في الكتاتيب، حيث حفظ القرآن وأتقنه، قبل أن ينهل من علوم الفقه والحديث واللغة العربية على يد كبار علماء عصره، مثل الشيخ عبد الحكيم الأفغاني والشيخ بدر الدين الحسني.

من هو محمد كامل القصاب

في الخامسة والعشرين، سافر إلى مصر والتحق بالأزهر، حيث نال الشهادة العالمية وتتلمذ على يد الشيخ محمد عبده والشيخ محمد بخيت. عُرف القصاب بغيرته على أمته، وحرصه على نشر العلم، فأسس في دمشق مدرسة أهلية باسم “المدرسة الكاملية”، التي خرّجت نخبة من رجال الفكر والسياسة، واعترفت الدولة العثمانية بمكانتها، فسمحت لحاملي شهادتها بالالتحاق بكليات الطب والحقوق دون امتحان.

نشط القصاب في العمل الوطني، فشارك في تأسيس جمعية “العربية الفتاة” التي دعت لاستقلال العرب عن الدولة العثمانية. كلفه الوطنيون بالسفر إلى مصر للقاء زعماء حزب اللامركزية، إلا أن الأتراك اعتقلوه عند عودته وحاكموه أمام جمال باشا، لكنه تمكن ببلاغته من إقناعه ببراءته. بعد ملاحقات الاتحاد والترقي، لجأ إلى الحجاز حيث احتضنه الشريف حسين وكلفه برئاسة مجلس المعارف، ثم انتقل إلى مصر ليؤسس حزب “الاتحاد السوري” مواصلاً نضاله السياسي.

عند دخول الفرنسيين دمشق، كان القصاب من أوائل المحرضين ضدهم، فحكم عليه بالإعدام غيابياً، ما دفعه للانتقال إلى حيفا حيث أسس مدرسة مع عز الدين القسام. تنقل بين فلسطين واليمن والسعودية، حيث عيّنه الملك عبد العزيز مديراً لمعارف الحجاز، فأسس ثلاثين مدرسة في عام ونصف. أصيب بمرض خطير، ما أجبره على العلاج في فلسطين لمدة عشر سنوات.

عاد إلى دمشق عام 1937 بعد العفو العام، فوجد مدرسته في تراجع بسبب تفضيل الطلاب للمدارس الحكومية. قرر أن يخدم الأمة عبر نهضة العلماء، فأسس جمعية العلماء، التي حملت لواء الدفاع عن الإسلام ومكافحة الإلحاد. كان من أبرز إنجازاتها تأسيس المعهد العلمي الديني وإنشاء مدارس لمحو الأمية وتعليم الأجيال الجديدة.

كان للجمعية مواقف سياسية حازمة، منها إسقاط حكومة جميل مردم بعد احتجاجها ضد قانون الطوائف الفرنسي. واصلت الضغط على الحكومة، ما أدى إلى مضايقتها وإغلاق أبوابها، لكن تأثيرها ظل قائماً في المجتمع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى