تاريخ ومزارات

 مسجد تربانة.. كنز عثماني يروي تاريخ الإسكندرية بأعمدة رومانية

وسط قلب الإسكندرية التاريخي، يقف مسجد تربانة الأثري شامخًا في شارع فرنسا بمنطقة المنشية. حيث يمتزج الطابع العثماني المحلي مع عبق الحضارات القديمة. رغم أن المشهد المألوف للأعمدة المزخرفة بالرموز الرومانية يكثر في المناطق الأثرية، فإن الغريب أن هذه الأعمدة تزين مسجدًا يعود إلى العصر العثماني، ما يعكس بوضوح كيف تداخلت الحضارات عبر الزمن على أرض عروس البحر المتوسط.

تاريخ  مسجد تربانة

يعود تاريخ بناء المسجد إلى عام 1097 هـ – 1685م، حينما شيده الحاج إبراهيم عبيد المغربي المعروف بـ”تربانة”، أحد كبار تجار الإسكندرية وأعيانها. لا يزال المسجد محتفظًا برونقه كآخر ما تبقى من الآثار العثمانية في المدينة. حيث يرتفع طابقه العلوي ليحتضن قاعة الصلاة. بينما تنتشر في طابقه الأرضي مجموعة من الحوانيت التي كانت مخصصة للإنفاق على خدمات المسجد.

يتميز المسجد بواجهته التي تحمل نصًا تأسيسيًا جاء فيه: “بسم الله الرحمن الرحيم – إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله – أنشأ هذا المسجد الحاج إبراهيم تربانة سنة ١٠٩٧ هجرية”، وإلى جواره توقيع “عمل عيسى”. أما مئذنته فتعد من أقدم مآذن الإسكندرية، وترتكز على أعمدة تحمل زخارف رومانية، ربما أعيد استخدامها من مبانٍ أثرية سابقة.

يتكون المسجد من طابقين؛ الطابق الأرضي يضم 12 حانوتًا كانت إيراداتها مخصصة لخدمة المسجد، إلى جانب دورات المياه والساقية التي وفرت المياه للمصلين. أما الطابق العلوي، فكان مخصصًا للصلاة، حيث يمكن الوصول إليه عبر سلم يؤدي إلى ساحة تعلوها المئذنة. يتكون إيوان الصلاة من خمسة أروقة مدعمة بأربع بائكات موازية لجدار القبلة، ويرتكز سقفه على براطم خشبية مزخرفة بزخارف هندسية ونباتية ذات ألوان زاهية. أما المحراب المجوف فهو معقود بعقد مدبب، وتزينه بلاطات خزفية ذات زخارف نباتية فريدة.

اللافت أن المسجد يضم عددًا كبيرًا من الأعمدة التي تعود للعصور اليونانية والرومانية. إذ تم إعادة استخدامها في بنائه بعد أن أخذت من مباني تهدمت خلال الفترات السابقة. وفي اكتشاف أثري حديث. تم الكشف عن صهريج ضخم أسفل المسجد يعود عمره إلى 326 عامًا. وتبلغ مساحته نحو 100 متر مربع. حيث كان يستخدم لخدمة المصلي. ليظل هذا المسجد شاهدًا على عبقرية المعمار الإسلامي وقدرته على التفاعل مع الإرث التاريخي للإسكندرية.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى