سور مجرى العيون: حكاية التاريخ العريق بين الإهمال والتطوير

وسط زحمة الحياة الصاخبة وتراكم الإهمال، يظهر سور مجرى العيون كأحد أبرز الشواهد التاريخية في قلب القاهرة. هذا المعلم الفريد الذي يحمل عبق الماضي الإسلامي العريق. تعرض على مدار عقود للإهمال، فغمرته التعديات والمخلفات التي شوهت جماله وأصالته. ومع ذلك، بدأ فصل جديد من الأمل عندما امتدت إليه يد التطوير لإعادته إلى رونقه. ضمن خطة طموحة تعيد للسور مكانته التاريخية وتحوله إلى تحفة حضارية حديثة.
تاريخ سور مجرى العيون
بني سور مجرى العيون على مساحة شاسعة تصل إلى 3500 متر، شامخاً بحجارته “النحيت” التي تعكس عبقرية التصميم الإسلامي. يمتد السور من منطقة فم الخليج، أحد أعرق مناطق القاهرة، وصولاً إلى منطقة السيدة عائشة. كما أن هذا الصرح المهيب يعود تاريخه إلى العصر الأيوبي عندما قرر السلطان الناصر صلاح الدين بناء قناطر مائية لنقل المياه إلى قلعة الجبل، مقر الحكم آنذاك. تطور المشروع لاحقاً على يد السلطان محمد بن قلاوون، ثم أكمل السلطان الغوري بناء السور بشكله الحالي في القرن السادس عشر.
كما يتميز السور بتصميمه المعماري الفريد الذي يجمع بين الطراز الإسلامي الأصيل والدقة الهندسية، حيث يحتوي على برج رئيسي يعرف ببرج المأخذ، يتضمن ست سواقٍ لنقل المياه عبر قنوات مائية محمولة على عقود مدهشة. تلك التقنية اعتمدت على علم الهيدروليك، مما يعكس تفوق الحضارة الإسلامية في العلوم الهندسية. مع تعاقب العصور، عانى السور من الإهمال الشديد، حيث تراكمت المخلفات والتعديات، خاصة في الجزء الجنوبي منه. كما أصبح محاطاً ببنايات عشوائية طمست معالمه التاريخية. لكن بعد عام 2013، بدأت الدولة المصرية جهوداً واسعة لتطويره ضمن خططها للحفاظ على المواقع الأثرية.
بدأت أعمال التطوير بإزالة المخلفات وإعادة ترميم الأجزاء المتهالكة من السور. مع تركيب كاميرات مراقبة وكشافات إضاءة وأكشاك أمنية لضمان حماية الموقع. المنطقة المحيطة بالسور أيضاً خضعت لتطوير شامل. حيث تم إزالة المدابغ القديمة وإقامة مشروع الإسكان المعروف بـ”90 فدان”. الذي يجعل من السور حداً شمالياً للمشروع.