
سيناء – محمود الشوربجي – بعد مرور 7 سنوات على أحداث مذبحة الروضة التي تمثل أكثر الحوادث دموية في تاريخ مصر الحديث، إلا أن أهل سيناء ومصر لا زالوا يستذكرون هذا اليوم ويحيون ذكرى فقدان رجال من خيرة الناس.
كانت الأمور تسير على ما يرام، وكالعادة كل صباح يوم جمعة يخرج المُصلين مُبكرًا لأداء صلاة الجمعة فيمتليء المسجد قبل صعود الإمام المنبر. واعتاد الرجال اصطحاب أطفالهم مثل أي مكان آخر. لم يكن أحدًا من أهل القرية يعلم ما سيحل بهذه القرية التي طالما تغنت بامتلاكها للهدوء والسكينة.
في ظهر الجمعة 24 نوفمبر 2017م وقعت مذبحة الروضة في سيناء وهي تمثل أكثر الحوادث دموية في تاريخ مصر الحديث. ذلك اليوم العصيب الذي هز قلوب المصريين. كانت المذبحة بمثابة انتقام من قبيلة «الجريرات» السواركة التي ينتمي معظم أبنائها إلى الطرق الصوفية.
الجريمة
وقرب منزله الذي يقع على مقربة من المسجد، يبكي أبو حماد على فقدان المئات من أبناء عشيرته وأهل قريته جراء مجزرة حدثت وتسببت في حالة نفسية لا نظير لها في قرية بسيطة ومتواضعة مزقتها الحرب. ويقول أبو حماد لـ «صوت القبائل العربية» عشنا يومًا مأساويًا، ويروي اللحظات الأولى قائلًا: بعد مغادرة الإرهابيين مسرح الجريمة بدأت تخفّ حدة الخوف، مما أعاد نوعاً من الطمأنينة إلى من بقوا أحياء من مرتادي المسجد، لكنهم سرعان ما صُدموا بمشهد مئات الجثث المتناثرة بينهم، فتحول الرعب من الخوف إلى حزن دفين حوّل قرية الروضة إلى ما يشبه المأتم الجماعي.
وقال، شيعنا جثامين 309 شخصًا، في مقابر جماعية على 10 حفر رملية في مقابر قرية مزار. وجرى تشييع الجثامين ودفنها وسط إجراءات أمنية مشددة، مع إغلاق كافة الطرق في سيناء. وخيمت أجواء من الحزن على كافة مدن وقرى شمال سيناء.
مذبحة الروضة ذكرى مأساوية
ويستذكر سعيد زايد، ابن قبيلة الرميلات، أحد رواد العمل الإنساني بسيناء، مذبحة الروضة اليوم المأساوي. والذي حضر متطوعًا للمساعدة في نقل الضحايا وتقديم الإسعافات، قائلًا: كانت ذكرى مأساوية. وأضاف أن معظم المصابين في تفجير مسجد الروضة بشمال سيناء في ذلك اليوم نُقلوا إلى مستشفى بئر العبد. ومنه إلى المحافظات الأخرى، بالإضافة إلى نقل بعض المصابين إلى مستشفى العريش العام.
وأوضح زايد، أن ساحات مستشفى العريش امتلأت بالمتبرعين بالدم بعد النداءات التى وجهتها مكبرات الصوت بالمساجد عقب وقوع الحادث.
بينما روى شهود عيان أن مجموعة مسلحة قدرت بنحو 40 مسلحًا، قامت باستهداف مسجد الروضة بعبوة ناسفة. ثم أتبعه إطلاق رصاص عنيف من جميع الاتجاهات. كما أضاف الشهود ـ ممن كانوا خارج المسجد قبيل وقوع التفجير الإرهابي ـ أنهم شاهدوا عدّة مجموعات مسلحة وصلت إلى مسجد الروضة يستقلون دراجات بخارية وسيارات قاموا بزرع عبوات خارج المسجد ثم أطلقوا وابلاً من النيران على المصلين، ما تسبب فى حدوث حالة من الهلع والذعر بين جموع المصلين، الذين تدافعوا للخروج من باب المسجد لمعرفة مصدر صوت التفجيرات، الأمر الذى أدى لوقوع الكثير من الضحايا.
الطريقة الجريرية الأحمدية
وفي ذات السياق، أكد شهود عيان بالقرية ، أن استهداف مسجد الروضة يأتى تزامنًا مع احتفالات الطريقة “الجريرية الأحمدية”. والذى يعتبر أحد المساجد التابعة للطريقة الجريرية. إذ يأتي المئات من المحتفلين من محافظات مصر بأجمعها، خاصة محافظة الشرقية إلى القرية فى هذا التوقيت لإقامة الاحتفالات.
وأضاف بعض مواطني القرية أن الطريقة الجريرية الأحمدية، هى إحدى الطرق الصوفية فى مصر. والتى يكفرها الدواعش ويعتبرون أتباعهم مشركين بالله، ويحلّون قتلهم أينما كانوا، بحسب رواية الأهالي. كما تعتبر الجماعات المسلحة فى سيناء، أن الطريقة الجريرية من الطرق المبتدعة، وأنهم من أصحاب البدع والضلال. وقد حدثت قبل ذلك مناقشات بين الجماعات المسلحة التى كان أغلب قادتها من المتشددين، وبعض أفراد من الطرق الصوفية الجريرية، والتي كفّرت على إثر ذلك الجماعات الوهابية التى ينتمى معظم أفرادها إلى الجماعات المسلحة.
كانت الجماعات المسلحة قد اختطفت عددًا من مريدي الطرق الصوفية جنوبي رفح والشيخ زويد. وأفرجت عنهم بعد استتابتهم وإغلاقهم الزوايا ومنع الذكر والأوراد الجماعية التى اعتبرتها الجماعات المسلحة نوعًا من الشِرك.
ويشهد مسجد الجريرات بقرية الروضة والذى يعد مسجدًا وزاوية، وهو المركز الرئيسى لطريقة الجريرات، غرب العريش، معظم المنتمين للطريقة الجريرية يتقابلون يومي الخميس والجمعة في زواية الروضة، وأغلبهم من قبيلة السواركة وبعض العائلات من القبائل الأخرى، إلا أن الغالبية من الجريرات التي تنتمى إلى قبيلة السواركة، والتى سميت الجريرات نسبًا إلى الشيخ عيد أبو جرير مؤسس الطريقة الجريرية، والذى توفى منذ 67 عامًا، ودفن فى إحدى زواياه بقرية سعود بالشرقية.
وقد تم استخلاف شخص آخر من الطريقة، لكنه توفى، حيث يقوم مكانه الآن أحد الأشخاص يدعى “الشيخ سليمان” من الجريرات. وكانت الجماعات المسلحة بسيناء قد قامت باستهداف أفراد من الجريرات وتم ذبحهم وإلقاء جثثهم بنهر الطريق، ولم يكن أحد يتوقع أن يتم استهداف المركز الرئيسى للطريقة الجريرية الصوفية.
قرية الروضة
يذكر أن قرية الروضة التي شهدت الحادث المروع تتبع مركز بئر العبد التابع لمحافظة شمال سيناء، ويبلغ سكانها نحو 2500 نسمة وتقع تحديدًا غرب مدينة العريش وتبعد عنها 20 كيلو مترًا. ويعتبر المسجد الذي شهد الحادث الإرهابي، هو المسجد الكبير، والذى يتميز بمئذنته العالية التي يراها القادمون من الطريق الدائرى تحديدًا للقادمين بين مدينتى بئر العبد والعريش.
كما تتميز قرية الروضة التابعة لمركز بئر العبد بشمال سيناء، أحد معاقل الطريقة الصوفية الجريرية الأحمدية، وخصصت داخل المسجد الكبير للقرية زاوية لمريدى الطريقة الصوفية.
ويشتغل غالبية سكان قرية الروضة فى الزراعة وصناعة الملح، وتضم القرية عددًا كبيرًا يتبع قبيلة “السواركة” نزحوا من جنوب الشيخ زويد وبنوا عششًا من الخشب بجوار مساكن أهل القرية الأصليين، ما أدى إلى ارتفاع أعداد أهالى القرية.
وأحيت محافظة شمال سيناء أمس الجمعة بحضور وزير الأوقاف الدكتور أسامة الأزهري، ومحافظ شمال سيناء اللواء خالد مجاور، ونائب المحافظ اللواء عاصم سعدون، والقيادات التنفيذية والمشايخ والأهالي والرموز بالذكرى السابعة لشهداء مذبحة الروضة.
جديرًا بالذكر أن هجوم مسجد الروضة الذي وقع في 24 نوفمبر 2017م، هو هجوم مسلح استهدف مسجداً يقع بقرية الروضة. والتي تبعد عن العريش مسافة 50 كم، وتبعد عن بئر العبد قرابة 40 كم بمحافظة شمال سيناء. وأسفر عن سقوط 309 شهيد و128 مصابًا من المصلين في وقت صلاة الجمعة. كما يمثل هذا الهجوم أكثر الحوادث الإرهابية دموية في تاريخ مصر الحديث وفقًا لما ذكره مؤرخون.





