جامع السلطان حسن: جوهرة العمارة الإسلامية في قلب القاهرة
أسماء صبحي
يعد جامع السلطان حسن واحداً من أعظم المباني الإسلامية التاريخية في القاهرة، وهو رمز للفن المعماري المملوكي الذي يعكس عظمة الحضارة الإسلامية خلال فترة حكم المماليك.
يقع الجامع بالقرب من قلعة صلاح الدين الأيوبي في منطقة الدرب الأحمر، وهو من أكثر المعالم الأثرية شهرةً وتأثيراً في العالم الإسلامي.
بناء جامع السلطان حسن
شيد مسجد السلطان حسن في الفترة من عام 1356 إلى 1363م في عهد السلطان الناصر حسن بن محمد بن قلاوون، الذي كان من أبرز سلاطين الدولة المملوكية، وأمر السلطان ببناء هذا الجامع ليكون مركزاً دينياً وتعليمياً، يضم مدرسة لتدريس المذاهب الفقهية الأربعة (الشافعي، المالكي، الحنفي، والحنبلي) إلى جانب قاعات لتعليم علوم القرآن والحديث.
تميز بناء الجامع بقدرته على إبهار الزوار منذ أن شيد، فقد وصفه المؤرخون بأنه أعجوبة معمارية بفضل تصميمه الضخم والمعقد الذي استغرق سبع سنوات وأُشرف عليه المهندس الأمير محمد بن بيليك المحسني.
العمارة والتصميم
يجمع جامع السلطان حسن بين البساطة والفخامة في آن واحد، إذ يتسم بواجهة ضخمة يبلغ ارتفاعها حوالي 36 متراً، وهي مزينة بنقوش وزخارف مملوكية تعكس روعة الفن الإسلامي، ويتوسط الجامع صحن مفتوح ذو أرضية رخامية، تحيط به أربعة إيوانات مرتفعة السقف، مخصصة لتدريس المذاهب الفقهية المختلفة.
ويعتبر الإيوان الرئيسي أكبر الأيوانات، ويضم محراباً مزخرفاً بأشكال هندسية بديعة، إلى جانب منبر خشبي مزين بالنقوش الدقيقة، ويتميز الجامع أيضًا بقبة ضخمة كانت تعتبر من أكبر القباب في العالم الإسلامي وقت إنشائها، حيث يبلغ ارتفاعها حوالي 44 متراً.
العناصر الفنية
يحتوي الجامع على العديد من العناصر الفنية التي تبرز مهارة الحرفيين في تلك الحقبة، مثل الرخام الملون، والزخارف الجصية، والأعمدة المصنوعة من الجرانيت التي جلبت من أماكن مختلفة، كما يضم الجامع أبواباً ضخمة مصنوعة من البرونز ومزينة بنقوش معقدة تضفي على المكان طابعاً مهيباً.
لم يكن جامع السلطان حسن مجرد مكان للصلاة فقط، بل كان مركزاً تعليمياً ودينياً من الطراز الأول، وضم المجمع مرافق مثل المكتبات وغرف السكن للطلاب والأساتذة، مما جعله بمثابة جامعة مصغرة لتعليم العلوم الدينية والشرعية.
شهد جامع السلطان حسن عبر تاريخه العديد من الأحداث التاريخية، وأصبح رمزاً للصمود والجمال المعماري، وفي العصر العثماني، حافظ على دوره كمركز ديني وتعليمي هام. وعلى مر القرون، ظل الجامع وجهة لطلاب العلم والزوار من مختلف أنحاء العالم، ليصبح رمزاً للثقافة الإسلامية في القاهرة.



