المزيد

لواء دكتور سمير فرج يكتب .. ماذا بعد نجاح ترامب … رؤية تحليلية

فاز دونالد ترامب في سباق الانتخابات الأمريكية، بنسبة 51% من أصوات المجمع الانتخابي، ليصبح الرئيس رقم 47 للولايات المتحدة الأمريكية، لمدة أربع سنوات قادمة، تبدأ من يوم 20 يناير 2025، محققاً بذلك إنجازاً تاريخياً للحزب الجمهوري، صاحب الأغلبية في مجلس النواب، ومجلس الشيوخ، ليصبح مبنى الكابيتول، بالكامل، تحت سيطرة الحزب، فضلاً عن الأغلبية داخل المحكمة العليا للولايات المتحدة. وهو ما دفع، البعض، للتفكير بأن تركيز السلطات، الدستورية والتشريعية والتنفيذية، بيد الحزب الجمهوري، سيجعل من ترامب دكتاتوراً، إلا أن ذلك الطرح وجد من يعارضه، بالتعويل على العميقة في أمريكا، التي لن تسمح له بذلك.
وفور الإعلان عن فوز ترامب، تصدر المشهد سؤالاً تقليدياً، نابعاً من اهتمام العامة والمتخصصين، على حد سواء، عن قدرته على وقف الحرب في غزة ولبنان، أو تلك الدائرة، منذ سنوات، بين روسيا وأوكرانيا، في ضوء إعلانه، خلال حملته الانتخابية، بأنه لو كان موجوداً في البيت الأبيض، لما اندلعت تلك الحروب، من الأساس، وبأن وصوله لمنصب الرئيس، هو الضمان الوحيد لوقفها، فوراً. فهل سيفي بوعوده الانتخابية، أم أنها لم تتجاوز كونها وسيلة لحشد أصوات الكتل المعنية بهذا الشأن، وهم كُثر، وقادرين على ترجيح أحد الخيارين، كما تابعنا.
يرى البعض أن ترامب صاحب باع في الوفاء بوعوده، مستشهدين على ذلك، بفترة رئاسته السابقة، التي نفذ فيها وعده بنقل السفارة الأمريكية، في إسرائيل، من تل أبيب إلى القدس، ليصبح الرئيس الأمريكي، الأوحد، الذي وعد بذلك خلال حملته الانتخابية، ونفذ بالفعل، على عكس سابقيه، ممن ساقوا نفس الوعد، ولم يفِ أي منهم به، بعد وصولهم للحكم. لذا يتوقع، الكثيرون، أن ينفذ ترامب وعده، هذه المرة، أيضاً، وتتوقف الحرب الإسرائيلية على غزة ولبنان، وبين روسيا وأوكرانيا.
دعونا، في البداية، نتناول الحرب في الشرق الأوسط، والتي يدور توقفها حول احتمالين؛ أولهما أن يعمل جو بايدن، خلال الشهور الباقية له في البيت الأبيض، على وقف الحرب، ليحسب له النجاح في ذلك، خاصة بعد فشله في خوض الانتخابات على فترة ولاية ثانية، وهو ما يعيب تاريخ أي رئيس لأمريكا، إلا أنني لا أرجح ذلك الاحتمال، لعدة أسباب، أهمها إصرار نتنياهو على القضاء على القوة العسكرية لحزب الله في جنوب لبنان، وحصرها لما بعد نهر الليطاني، وهذا ما سيستغرق، في تقديري، حتى نهاية العام.
وهو ما يقودنا للاحتمال الثاني، الذي أميل لحدوثه، وهو أن وقف الحرب في غزة لن يتم قبل انتقال السلطة، فعلياً، للرئيس ترامب، بسبب الصداقة التي تجمع بين نتنياهو وبينه، والتي ستدفع الأخير لتأجيل وقف إطلاق النار، لتحقيق ميزة سياسية لصديقه العزيز ترامب. والحقيقة أن أكبر الخاسرين، في تقديري، من وصول ترامب للبيت الأبيض، هي القضية الفلسطينية، في ضوء إيمانه بأن حلها لا يكون من خلال دولتين، وإنما دولة واحدة، تجمع الفلسطينيين والإسرائيليين، وهو ما يتفق مع التوجهات الحالية لرئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو.
أما بالنسبة للحرب الروسية الأوكرانية، فقد أعلن جو بايدن، خلال الأسبوع الماضي، عن دعمه لأوكرانيا بصفقة جديدة من الأسلحة، في ظل علمه بأن حل تلك الأزمة، والوصول لاتفاق لوقف إطلاق النار، سيكون على حساب خسائر كبيرة جداً لأوكرانيا، وحيث أنه لن يريد أن يكون إحلال السلام على حساب أوكرانيا، لذا أظنه سيترك تلك المهمة لترامب، الذي تجمعه علاقات طيبة بالرئيس الروسي بوتين، من ناحية، كما أنه لا يهمه إلا تحقيق وعده الانتخابي بوقف إطلاق النار، من ناحية أخرى، حتى لو كان ذلك على حساب بعض الخسائر على الجانب الأوكراني.
وبالنسبة لموقف الإدارة الأمريكية الجديدة من إيران، فلا أظنه يخفى على أحد رفض ترامب لانضمام إيران للنادي النووي، وهو ما اتخذ خطوات تنفيذية للحيلولة دونه، خلال فترة رئاسته السابقة، وأظنه سيستكمل ما بدأه، بفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على إيران، ومنها وقف تصدير النفط، لتقويض خطتها بامتلاك السلاح النووي في عام 2025. وعلى صعيد آخر، وفي سياق استكمال ما بدأه من قبل، فقد بدأ القلق ينتاب زعماء وقادة الدول الأوروبية، من إعادة مطالبتهم بتخصيص نسبة 5% من دخل كل دولة أوروبية، لتمويل حلف الناتو، في ضوء ما كرره، مراراً، بأن بلاده ليست مسؤولة عن الدفاع عن دولهم أوروبية ضد أية تهديدات.
أما فيما يخص مصر، وموقف ترامب بعد وصوله إلى البيت الأبيض يوم 20 يناير القادم، فأظنه سيبقى مؤيداً لها، كما كان خلال فترة حكمه الأولى، تقديراً منه للإدارة السياسة بقيادة الرئيس السيسي، ولدور مصر القيادي في المنطقة. فضلاً عن دعمه لقضاياها، ومنها إيمانه بأحقية مصر في مشكلة سد النهضة، وهو ما دفعه، سابقاً، لدعوة وزراء الري المصري والسوداني والإثيوبي، لمدة ثلاثة أشهر، في العاصمة الأمريكية، حتى الوصول، بالفعل، إلى اتفاق، وقعت عليه مصر، إلا أن الوفد الاثيوبي سافر دون توقيع الاتفاق، بعد ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية الأمريكية، في نفس اليوم، والتي فاز فيها جو بايدن. ولذا فهناك اطمئنان كامل بأن الفترة القادمة ستشهد مستوى رفيع من العلاقات الاستراتيجية الثنائية بين البلدين.
كانت تلك تقديراتي للملامح الرئيسية للسياسة الأمريكية المتوقعة خلال الفترة القادمة اعتباراً من يوم ٢٠ يناير القادم.
Email: sfarag.media@outlook.com

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى