حتشبسوت الفرعون الأنثى التي حكمت مصر بحكمة وقوة
كتبت شيماء طه
حتشبسوت، واحدة من أشهر الشخصيات في تاريخ مصر القديمة، لم تكن ملكة عادية، بل فرعونًا أنثى استطاعت أن تحكم مصر بمهارة وحكمة خلال القرن الخامس عشر قبل الميلاد.
برزت كواحدة من القلائل الذين تمكنوا من كسر التقاليد الذكورية للفراعنة وحكمت البلاد لمدة تقارب 22 عامًا، تاركة إرثًا من الإنجازات المعمارية والتجارية التي لا تزال تذكر حتى اليوم.
تولي الحكم
حتشبسوت وُلدت لعائلة ملكية، حيث كانت ابنة الفرعون تحتمس الأول وزوجة لأخيها غير الشقيق تحتمس الثاني.
بعد وفاة زوجها، كان من المفترض أن يحكم البلاد ابنه تحتمس الثالث، الذي كان في سن صغير آنذاك.
بدلاً من أن تلعب دور الوصي فقط، أعلنت حتشبسوت نفسها فرعونًا مشاركًا في الحكم، ثم حكمت بمفردها فيما بعد.
ما يميز حكمها هو أنها تبنت جميع الشعارات والمظاهر الملكية الخاصة بالفراعنة الذكور، حتى أنها ارتدت التاج المزدوج التقليدي واستخدمت الألقاب الملكية، بما في ذلك لقب “ابن رع”.
الإنجازات المعمارية
كانت حتشبسوت من أعظم البنائين في مصر القديمة ، أثرت العمارة في عهدها بشكل كبير على الفنون المصرية وتركزت بشكل خاص في طيبة (الأقصر حاليًا).
من أشهر معالمها هو “معبد الدير البحري”الذي يعد تحفة فنية ومعمارية. يقع هذا المعبد على الضفة الغربية لنهر النيل ويتميز بتصميمه المتدرج الذي يتناغم مع الجبال المحيطة.
إستخدمت حتشبسوت هذا المعبد لتخليد ذكراها وعبادة الإله آمون.
كما أمرت بإقامة العديد من المسلات الضخمة في معبد الكرنك، وبعضها ما زال قائمًا حتى اليوم.
هذه المسلات كانت رموزًا للقوة والسلطة الإلهية، وإستخدمت لتخليد إنجازاتها وتوثيق تاريخ حكمها.
تعزيز التجارة والعلاقات الدولية
لم تكن حتشبسوت ملكة حرب، بل ركزت على السلام والتنمية الاقتصادية.
قامت بإرسال بعثات تجارية هامة إلى بلاد بونت (التي يُعتقد أنها الصومال الحالية)، وكان هذا المشروع أحد أعظم إنجازاتها.
من خلال هذه البعثات، جلبت مصر سلعًا ثمينة مثل البخور والأخشاب والعاج والذهب، مما عزز الاقتصاد المصري وزاد من ثروتها ، هذه الحملات التجارية زادت من تأثير مصر في العالم الخارجي ورفعت مكانتها بين الحضارات المجاورة.
تم توثيق رحلة بونت بشكل مفصل على جدران معبد الدير البحري، حيث صورت السفن المحملة بالكنوز والسلع، مما يعكس النجاح الإقتصادي لحكمها. تعتبر هذه البعثات من أهم الإنجازات التي تميزت بها فترة حكم حتشبسوت.
مواجهتها للتحديات
رغم نجاحاتها، لم يكن حكم حتشبسوت خالياً من التحديات ، كونها امرأة في منصب كان تاريخيًا مقصورًا على الرجال، واجهت معارضة من النخب السياسية والدينية.
للتغلب على هذه المعارضة، صورت نفسها على أنها فرعون ذكر في العديد من النقوش، حتى أنها ظهرت أحيانًا بملامح ذكورية وترتدي زي الفراعنة التقليدي.
بعد وفاتها، حاول تحتمس الثالث، الذي تولى الحكم بعدها، محو إسمها من السجلات وتدمير العديد من آثارها.
كان ذلك جزءًا من محاولته لإعادة تأكيد شرعيته كفرعون.
رغم ذلك، نجحت حتشبسوت في ترك بصمة قوية في تاريخ مصر، وأعادت إكتشافها في العصر الحديث من خلال جهود علماء الآثار، مما أعاد إحياء إرثها وأهميتها التاريخية.
حتشبسوت لم تكن مجرد ملكة قوية، بل كانت قائدة حكيمة إستطاعت أن تحافظ على استقرار مصر وتزدهر بها خلال فترة حكمها.
كانت تركز على السلام، التنمية الاقتصادية، والبناء العمراني ، تركت وراءها معالم وآثار خالدة لا تزال تذكرها وتحتفي بها حتى اليوم.
في الوقت الذي كان يُعتبر فيه حكم المرأة في مصر القديمة استثناءً نادرًا، إستطاعت حتشبسوت أن تحطم القواعد وتثبت نفسها كفرعون عظيم.
ورغم محاولات محو ذكراها، فإن آثارها وإنجازاتها لا تزال تشهد على عبقريتها وحكمتها كواحدة من أعظم حكام مصر القديمة.