أبطال حرب أكتوبر المجيدة.. البطل “على خفاجى”: كسرت عين إسرائيل بخرطوم مياه
أميرة جادو
في ذكرى حرب أكتوبر المجيدة، قدّم سلاح المهندسين بالجيش المصري 88 شهيدًا و84 جريحًا، ممن ضحوا بأرواحهم لضمان بقاء الكباري في كامل كفاءتها لدعم عبور القوات المصرية إلى الضفة الشرقية من قناة السويس. لم تردعهم الغارات الجوية الإسرائيلية وحقول الألغام عن فتح الثغرات في عمق سيناء لتسهيل مهمة باقي الأسلحة والقوات المصرية. كان المجند “علي محمد علي عبدالله خفاجي”، ابن قرية جماجمون التابعة لمدينة دسوق بمحافظة كفر الشيخ، أحد أبطال هذا السلاح المخلصين.
من قرية جماجمون إلى ساحة الحرب
التحق المجند “علي خفاجي” بالقوات المسلحة المصرية يوم 6 يونيو 1972، وهو يبلغ اليوم من العمر 72 عامًا. خدم في سلاح المهندسين، اللواء 209 الهرم، وكان من الجنود الذين شاركوا في تدمير خط بارليف المنيع باستخدام مضخات المياه، كما كان من الجنود الذين واجهوا حصار الدفرسوار. يروي خفاجي تجربته قائلاً: “تدربت على استخدام مضخات المياه في منطقة القناطر الخيرية لمدة شهرين، وفي يوم 5 أكتوبر 1973، تمركزنا في الإسماعيلية استعدادًا للعبور. في يوم 6 أكتوبر، أعلنت حالة الاستنفار في صفوفنا عند الساعة 11:30 صباحًا، وفي تمام الساعة 1:50 ظهرًا، مرت فوقنا 240 طائرة مصرية، لتبدأ الضربة الأولى لقوات الاحتلال، وتوالت الأوامر بالعبور وتدمير خط بارليف.”
أسطورة تحطمت على يد المصريين
كان خط بارليف عبارة عن سلسلة من التحصينات الدفاعية تمتد على طول الساحل الشرقي لقناة السويس، أنشأته قوات الاحتلال الإسرائيلي بعد حرب 1967 لمنع عبور أي قوات مصرية. وخلال حرب الاستنزاف، تكفّل سلاح المهندسين المصري بمهمة هدم الساتر الترابي الشرقي للقناة، وفي الوقت نفسه، إزالة الساتر الترابي الغربي الذي أقامته قواتنا المسلحة. أجرى المهندسون المصريون 322 تجربة لهدم الساتر الترابي الذي أقامه العدو باستخدام المدفعية الميدانية، ثم القنابل، والصواريخ، والمفرقعات، لكن لم تفلح تلك الوسائل في إحداث ثغرات كافية لعبور القوات، إلى أن تم اعتماد الضخ بالماء فقط، والذي أظهر نتائج مذهلة، حيث ساعد في تهيئة الممرات لعبور الدبابات والعربات المدرعة.
يوم العبور: كسر المستحيل بالماء
يروي عم “علي خفاجي” كواليس اليوم الحاسم، قائلاً: “أمرنا قائد الكتيبة بالتحرك إلى بطن القناة في يوم 5 أكتوبر، وهو خط المواجهة مع قوات الاحتلال الإسرائيلي. في اليوم التالي، تلقينا الأوامر بالعبور. صعدنا إلى الساتر الترابي وأخذنا ندمر دشم العدو الخرسانية، التي كانت تتحصن فيها الدبابات الإسرائيلية، بالقنابل اليدوية. في ذات الوقت، كان اثنان من زملائي يقفان على بوابة الدشمة لصيد جنود العدو الهاربين.”
معركة الكباري ومواجهة الطيران الإسرائيلي
في اليوم الرابع من الحرب، حاولت الطائرات الإسرائيلية ضرب الكباري التي أنشأها سلاح المهندسين لعرقلة تقدم القوات المصرية، لكن المدفعية المصرية تصدت لها بشجاعة. يحكي خفاجي: “أحد الطيارين الإسرائيليين سقط بمظلته، فأمرني قائد الكتيبة بأسره. أخذناه دون أن نسيء معاملته، حتى أنه عندما طلب الماء، أعطيناه. اعترف الطيار خلال التحقيقات أنه كان مكلفًا بتدمير الكوبري لإعاقة عبور القوات المصرية إلى عمق سيناء.”
إصابة غيرت مجرى الحياة
يستذكر خفاجي لحظة إصابته التي تسببت في بتر قدمه، قائلاً: “في يوم من أيام الحرب، صدرت لنا الأوامر بنسف حقل ألغام في منطقة البلاح بالإسماعيلية. ارتطمت قدمي بلغم أرضي، وشعرت بجسدي يرتفع عن الأرض لمسافة 10 أمتار. نقلت على الفور إلى مستشفى الإسماعيلية، حيث بترت قدمي اليمنى بسبب تهشم العظام. بعد شهر، تم نقلي إلى مستشفى الحلمية، حيث بقيت ستة أشهر، ثم تم إرسالي إلى بولندا لاستكمال العلاج وتركيب طرف صناعي.”
الحياة بعد الحرب
بعد عودته من بولندا، حصل خفاجي على تعويض مالي من القوات المسلحة وتم تعيينه في وحدة بيطرية قريبة من محل إقامته، بالإضافة إلى تخصيص معاش شهري له. يتحدث خفاجي عن تأثير إصابته على حياته الشخصية قائلاً: “كانت مسألة بتر القدم تشكل مشكلة كبيرة لأهل الريف. في أول زيارة لي بعد الإصابة، قلت لخطيبتي إنني تغيرت وأخيرها بين الاستمرار أو الانفصال. لكنها بكت وتمسكت بي، وتزوجنا بعد الحرب وأنجبنا ثلاثة أبناء.”
تكريم وتقدير
ما زال خفاجي يُكرّم في المناسبات العامة واحتفالات ذكرى حرب أكتوبر والعاشر من رمضان، سواء في محافظة كفر الشيخ أو من قبل القيادة العامة للقوات المسلحة. وهو فخور بكونه أحد أبطال حرب أكتوبر، الذين ساهموا في تحطيم أسطورة خط بارليف وتحرير أرض سيناء الغالية.
ختامًا، قصة عم “علي خفاجي” تُجسّد روح الفداء والشجاعة التي يتحلى بها جنود مصر. هي حكاية بطل من أبطال سلاح المهندسين، الذين ساهموا بجهودهم وتضحياتهم في صناعة نصر أكتوبر العظيم، الذي سيظل محفورًا في ذاكرة كل مصري، ودليلًا على قدرة الجندي المصري على قهر المستحيل.