أفلوطين: الفيلسوف الذي نقل الفلسفة من العقل إلى الروح
وُلِد أفلوطين في مدينة ليكوبوليس المصرية القديمة، ودرس الفلسفة في الإسكندرية على يد الفيلسوف أمونيوس السقّا. سافر مع الإمبراطور الروماني غورديانوس في حملة ضد الفرس، حيث كان يسعى للوصول إلى الهند للاطلاع على الحكم الهندي. ولكن بعد هزيمة غورديانوس، فرّ أفلوطين إلى روما حيث بدأ في تدريس الفلسفة وجذب حوله مجموعة من المفكرين والتلامذة.
بدأ أفلوطين في التأليف عندما بلغ التاسعة والأربعين من عمره، وقد جمع تلميذه فرفوريوس الصوري كتاباته في مجموعة معروفة باسم “التاسوعيات”. تضم هذه المجموعة أربع وخمسين رسالة قصيرة قسمت إلى ست مجموعات، كل مجموعة تحتوي على تسع رسائل تتناول موضوعات متعددة مثل الإنسان، الأخلاق، العالم المحسوس، العناية الإلهية، النفس، العقل، والواحد أو الخير.
تتمحور فلسفة أفلوطين حول موضوعين رئيسيين: الأول ديني، يتعلق بمصير النفس وكيفية تطهيرها وإعادتها إلى نقائها الأصلي، والثاني فلسفي، يختص بتفسير الكون من خلال العقل. يتحدث أفلوطين عن النفس قائلاً: “النفس البشرية التي جُعلت في الجسد هي عرضة للشر والألم، وهي تعيش في الشقاء والخوف والشوق”. ويعتبر الجسد سجناً للنفس، بينما يعتبر العالم بمثابة كهف أو مغارة. ورغم أن النفس في جوهرها طاهرة، فإن اتصالها بالمادة يفقدها نقاوتها، دون أن يغير من وجودها ذاته.
استمد أفلوطين هذه الأفكار من أفلاطون وديانات معاصرة، لكنه ذهب أبعد من ذلك عندما أصر على أن الفلسفة العقلية تحمل قيمة دينية، وأن قضية المصير الإنساني تبقى ذات مغزى في عالم يسير وفق قوانين عقلية.
نظرية الثالوث الأفلوطيني تشكل أساس فلسفته، حيث يعتمد على ثلاثة مفاهيم: النفس، العقل أو العالم المعقول، والواحد أو الخير. ويفصل بين دور النفس التي تمثل الرابط بين العالم العقلي والعالم الحسي، ويفسر الفيض على أنه عملية تبدأ بالواحد الذي يفيض العقل، والعقل يفيض بدوره النفس. كل مستوى من هذه المراتب يحتوي على جميع الكائنات، لكن بطرق مختلفة؛ فالواحد يحوي كل شيء بلا تمييز، بينما يميز العقل بين الكائنات المتضامنة، وفي النفس تبدأ الكائنات بالتمييز حتى تنفصل في العالم المحسوس.
يشدد أفلوطين على أن النفس واحدة في جوهرها، وأن تعدد الأنفس لا يعني خلق أنفاس جديدة. فبعد أن تحل النفس في الجسد، تظهر قوى مثل الذاكرة والإحساس والإدراك، وهذه كلها تعتبر علامات ضعف، لأنها تحد من الحياة الروحية للنفس، التي تعيش خارج الزمان والمكان.
بعد عودة النفس إلى ذاتها، تصبح قادرة على العودة إلى العقل، الذي هو المبدأ الثاني في الثالوث الأفلوطيني. العقل، وفقًا لأفلوطين، لا يمكن أن يكون عقلاً إلا إذا استمد نورًا من الواحد، مما يمكنه من فهم النسب الثابتة للعالم.
وقبل أفلوطين، كان الرواقيون يعتقدون أن جميع الكائنات تستمد وجودها من الواحد عبر مراحل. فالواحد، بكونه كاملاً، يفيض بالعقل الذي يمنح الخير، ويجزئ هذا الخير ليتمكن من فهمه بشكل جزئي.
في فكر أفلوطين، نجد الكثير من الصوفية. فهو يرى أن الخير هو الهدف الأعلى الذي تسعى النفس للوصول إليه، وليس حب الأشياء المادية. يؤكد أن الحب الحقيقي هو حب صوفي، لا يتوجه إلى موضوع معين، ويتطلب الابتعاد عن الأمور الملموسة والتحرر من الصور الحسية. عندما تنجح النفس في ذلك، تجد نفسها صدمة أمام الحقيقة.
وفيما يتعلق بالله، يصرح أفلوطين قائلاً: “الله هنا وهناك في كل مكان. الطبيعة الإلهية غير متناهية، فلا حد لها، مما يعني أنها حاضرة في جميع الأشياء”.