ذكرى “حرب القرم”.. شاركت فيها مصر وتونس ضد روسيا
أميرة جادو
في مثل هذا اليوم، 4 أكتوبر 1853، اندلعت حرب القرم بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية، واستمرت حتى عام 1856. تعد هذه الحرب جزءاً من سلسلة الحروب الروسية-العثمانية التي شهدها القرنان السادس عشر والعشرون، والتي نشبت نتيجة الطموحات الروسية في التوسع واحتلال الأراضي العثمانية، بهدف السيطرة على البحر الأسود وممراته، وعلى رأسها البوسفور والدردنيل، للوصول إلى المياه الدافئة في البحر الأبيض المتوسط.
أسباب الحرب
تُعتبر حرب القرم جزءاً من الحروب الروسية-العثمانية التي نشأت نتيجة أطماع القياصرة الروس في توسعة نفوذهم بالسيطرة على مناطق القرم العثمانية، إضافةً إلى تطلعاتهم للوصول إلى مياه البحر الأبيض المتوسط. قبل اندلاع الحرب، كانت العلاقات بين روسيا والدولة العثمانية تتسم بالعداء، خاصةً مع تعصب روسيا الديني ورغبتها في السيطرة على الأماكن المقدسة المسيحية في فلسطين وإقامة نفوذ أكبر في منطقة القسطنطينية.
دخول القوى الأوروبية في الحرب
في عام 1854، انضمت كل من مصر وتونس وبريطانيا وفرنسا إلى الحرب لدعم الدولة العثمانية في مواجهة التوسع الروسي. وفي العام التالي، انضمت مملكة سردينيا، التي أصبحت لاحقاً مملكة إيطاليا. شكّل هذا التحالف ضغطًا هائلًا على روسيا، مما أدى إلى وقوع معارك طاحنة، خاصةً في شبه جزيرة القرم.
أهداف روسيا وتدخل الدول الأوروبية الكبرى
امتزجت الأطماع الروسية أحياناً بدوافع دينية متعصبة، حيث كان الروس يسعون إلى حماية الأرثوذكس في العالم والسيطرة على القسطنطينية والأماكن المسيحية المقدسة في فلسطين. ورأى القيصر الروسي نيقولا الأول أن تحقيق تلك الأهداف لن يتم إلا بالقضاء على النفوذ العثماني، وخاصةً في منطقتي آسيا الوسطى والبلقان. ومن جهة أخرى، رأت القوى الأوروبية، خاصةً بريطانيا وفرنسا، أن إضعاف الدولة العثمانية قد يخدم مصالحهم، ولكن دون أن يؤدي إلى انهيار كامل للدولة، لتفادي اختلال توازن القوى في المنطقة.
الأحداث الدبلوماسية قبل اندلاع الحرب
قبل الحرب، أرسل القيصر الروسي نيقولا الأول وفداً دبلوماسياً إلى إسطنبول برئاسة السفير الروسي منشكوف، بهدف التفاوض مع السلطان العثماني عبد المجيد الأول لتنحية الرهبان الكاثوليك من القدس لصالح الأرثوذكس، وكذلك لتنحية وزير الخارجية العثماني فؤاد أفندي بسبب علاقاته الوثيقة مع الدول الغربية. إلا أن السلطان العثماني رفض هذه المطالب، مما أدى إلى تصعيد التوتر بين البلدين وقطع العلاقات الدبلوماسية.
بداية الحرب وتوسع جبهات القتال
في 4 أكتوبر 1853، اندلعت الحرب بشكل فعلي، حيث بدأ الروس بالهجوم على مناطق الدولة العثمانية في أوروبا والبلقان. واستطاع الجيش العثماني بقيادة عمر باشا أن يُلحق هزيمة قوية بالروس على نهر الدانوب ويستعيد السيطرة على رومانيا. ومع استمرار الحرب. دخلت فرنسا وبريطانيا في الصراع إلى جانب العثمانيين. وبدأت المعارك في عدة جبهات، أبرزها معركة سيواستوبول، التي كانت تهدف إلى القضاء على القوة البحرية الروسية في البحر الأسود.
نهاية الحرب ومعاهدة باريس
استمرت الحرب لأكثر من عامين ونصف، وشهدت معارك محتدمة وحصاراً اقتصادياً فرضته القوات العثمانية والبريطانية على التجارة الروسية في البحر الأسود. ومع وفاة القيصر نيقولا الأول وصعود ابنه ألكسندر الثاني إلى الحكم، أدرك الروس أن استمرار الحرب لن يكون في صالحهم، فتم التفاوض للسلام.
وفي 30 مارس 1856، وُقّعت اتفاقية باريس التي أنهت الحرب، ونصت على حرية الملاحة في نهر الدانوب. وحيادية البحر الأسود، مما يعني سحب روسيا لسفنها الحربية منه. مع إعادة ميناء سيواستوبول إلى روسيا، وضمان حماية الدولة العثمانية للأراضي الصربية واستقلالية ولايتي الأفلاق والبغدان ضمن الدولة العثمانية.
انعكاسات حرب القرم على التوازن الدولي
ساهمت حرب القرم في إعادة رسم التوازنات الإقليمية والدولية في منطقة البحر الأسود والبلقان. حيث أضعفت قوة روسيا في المنطقة وعززت من مكانة الدولة العثمانية كقوة إقليمية. وإن كان بشكل مؤقت. كما أن الحرب سلطت الضوء على أهمية التحالفات الدولية في تحديد ملامح الصراعات الإقليمية.