سديد الدين بن رقيقة: طبيب العيون والشاعر الذي أبدع في الطب والشعر
ولد سديد الدين بن رقيقة، أو أبو الثناء محمود بن عمر بن محمد بن إبراهيم الشيباني، عام 1168م وتوفي في 1237م. كان طبيباً بارعاً وشاعراً مميزاً، وقد نال شهرة واسعة في مجال الطب، خاصة في علاج أمراض العيون وجراحة الكحل. اشتهر باختراعه أدوات طبية مبتكرة لعلاج المياه النازلة من العين، وكان له أسلوب خاص في هذه الجراحة باستخدام المقدح المجوف، الذي أبدع في تصنيعه ليتمكن من امتصاص السوائل من العين، مما حقق نجاحات باهرة في علاج العديد من المرضى.
سافر ابن رقيقة إلى دمشق عام 1234م والتحق بالبيمارستان النوري الكبير، حيث عزز مكانته كأحد أبرز الأطباء في زمنه. لم تقتصر شهرته على الطب فقط، بل كان أيضاً شاعراً مجيداً وله العديد من الأبيات البديعة التي تجمع بين الفصاحة والبلاغة. كان متميزاً في نظم الأرجوزات الطبية، حيث تمكن من تحويل العديد من الكتب الطبية إلى قصائد رجزية بأسلوب سريع ودقيق، ما جعله فريداً بين نظرائه.
أشاد به العديد من العلماء والأطباء، فقد ذكره ابن أبي أصيبعة في كتابه “عيون الأنباء في طبقات الأطباء”، حيث أشار إلى قدراته الطبية والشعرية الفائقة. كما أبدع ابن رقيقة في عدة مجالات، منها علم النجوم والهندسة، حيث استفاد من علوم بني موسى في صنع أدوات ميكانيكية مبتكرة.
من بين مؤلفاته الشهيرة، كان له العديد من الكتب الطبية التي تعد مراجع قيمة، منها كتاب “لطف السائل وتحف المسائل” و”موضحة الاشتباه في أدوية الباه”. كما كان له إسهامات في اللغة والنحو، وشهدت حياته تفاعلاً مع عدد من العلماء والفقهاء، حيث روى بعض الأحاديث من خلال اتصاله بالعلماء في زمنه.
عرف ابن رقيقة بعلاقته الوثيقة مع شقيقه معين الدين، الذي كان بدوره شاعراً وعالم لغة، وكان له تأثير كبير في تطوير فكر ابن رقيقة الأدبي. ولعل أبرز ما ميّز سديد الدين هو تعدد اهتماماته، إذ كان يجمع بين علوم الطب والشعر واللغة والفلك، مما جعله أحد أهم العلماء في عصره.
ترك ابن رقيقة إرثاً علمياً وشعرياً غنياً، وما زال يُذكر كواحد من الشخصيات البارزة في تاريخ الطب الإسلامي، حيث أسهم في تحسين العديد من الأساليب الطبية التي كانت سائدة في عصره، وخاصة في مجال طب العيون الذي تميز فيه، مما جعله رمزاً للابتكار والتفوق العلمي.