تاريخ ومزارات

البهنسا: مدينة الألفية والشهداء بين الحضارات والأديان

تعتبر البهنسا من أشهر المناطق الأثرية بمحافظة المنيا، حيث تجمع بين آثار وحضارات متعددة امتدت عبر العصور المختلفة من الفرعونية إلى الإسلامية. يطلق عليها البعض “بقيع مصر” نظرًا لأنها شهدت استشهاد حوالي خمسة آلاف صحابي خلال الفتح الإسلامي، مما جعلها قبلة للزائرين والمحبين للتاريخ الإسلامي. بالإضافة إلى ذلك، كانت البهنسا مركزًا لصناعة النسيج الفاخر الموشى بالذهب، مما أضفى عليها طابعًا اقتصاديًا مميزًا عبر التاريخ.

تاريخ البهنسا

تقع البهنسا على بعد 16 كيلومترا من مدينة بني مزار بمحافظة المنيا، ويعود اسمها إلى حاكم روماني كان يقطنها ولقب ابنته بـ”بهاء النسا” لجمالها الفائق، ومن هنا جاءت تسميتها بالبهنسا. تحتوي المدينة على شجرة مميزة تعرف بـ”شجرة السيدة مريم العذراء”، حيث يقال إنها جلست تحتها مع المسيح عيسى ويوسف النجار أثناء رحلتهم إلى صعيد مصر.

وفقًا للدكتور وائل بكري رشيدي، أستاذ الآثار الإسلامية، فإن البهنسا كانت مدينة محصنة بأبراج وأسوار عالية، وكان بها أربعة أبواب وكنائس وقصور، مما جعلها ذات أهمية استراتيجية كبيرة. أما شهرتها الإسلامية فتعود لكثرة المزارات الدينية التي تحمل أسماء الصحابة والتابعين. لقد استقر بها عدد كبير من القبائل العربية بعد الفتح الإسلامي، ما أضاف إليها طابعًا ثقافيًا مميزًا استمر حتى اليوم.

من بين أبرز معالمها الإسلامية مئذنة وضريح أبو سمرة بن زين العابدين وضريح خولة بنت الأزور، التي شهدت فتح مصر، بالإضافة إلى مسجد الحسن بن صالح بن الحسين بن علي بن أبي طالب. كما تضم المدينة العديد من شواهد القبور الأثرية التي تضاهي بجمالها تلك الموجودة في القاهرة.

البهنسا لم تقتصر على الفترة الإسلامية فقط، بل كشفت الحفريات عن وجود عملات ذهبية ونحاسية تعود للعصر الفاطمي، فضلاً عن صناعة المنسوجات والفخار والخزف التي ازدهرت فيها.

تشهد البهنسا اليوم الكثير من التحديات، حيث تعرضت آثارها للعديد من التعديات التي أدت إلى اندثار بعضها، وتحولت بعض المباني التاريخية إلى جبانات حديثة، ما أضر بقيمتها التاريخية. على الرغم من ذلك، لا تزال مقابر الصحابة والشهداء تجذب الزوار من مختلف الأنحاء، وخاصة مجموعة أضرحة السبع بنات التي ترتبط بالتراث الشعبي وتظل مقصدًا للزوار كل يوم جمعة.

تعتبر البهنسا متحفًا مفتوحًا يعكس تاريخ مصر العريق وتنوع الحضارات التي مرت بها، وهي ثروة أثرية وسياحية يجب الاستفادة منها بشكل أكبر، بما يخدم الاقتصاد المصري ويعزز الوعي الأثري والسياحي لدى الزوار والمقيمين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى