قلعة صلاح الدين: قلعة الأزمان وأيقونة العمارة الحربية
تُعد قلعة صلاح الدين واحدة من أبرز معالم العمارة الحربية الأيوبية، وقد أسسها صلاح الدين الأيوبي عام 1176م عندما تولى حكم مصر. كانت القلعة تُبنى على قمة صخرية فوق هضبة المقطم، مشرفة على السهل الذي يفصل بين الفسطاط والقاهرة. كان الهدف من إنشائها تحويلها إلى قاعدة عسكرية حصينة ومقر ملكي استراتيجي.
تاريخ قلعة صلاح الدين
بدأ العمل في بناء القلعة تحت إشراف الطواشي قراقوش، الذي أشرف على إقامة الجدران الحجرية والأبراج المحيطة بالتل. قام العمال بنحت الصخر لخلق خندق اصطناعي يعزز من قوة الدفاعات، بينما بُنيت الأسوار بعرض ثلاثة أمتار وارتفاع عشرة أمتار. تحتوي الأسوار على أبراج نصف دائرية صغيرة على مسافات متساوية، كل منها مزود بغرف داخلية تتيح للجنود توجيه النيران نحو أي هجوم. ترتبط هذه الأبراج ببعضها عبر متاريس واستحكامات محمية، تمتد عبر القلعة بطول 2100 متر.
تحتوي الممرات الداخلية للقلعة على غرف صغيرة على مسافات منتظمة، مع فتحات تسمح بدخول الضوء وأخرى تتيح إطلاق السهام على الأعداء. وهناك برجان، برج الرملة وبرج الحداد، مخصصان لمراقبة أي اعتداء قد يأتي من طريق القاهرة.
القلعة تضم ثلاثة مداخل رئيسية: المدخل الرئيسي، وهو الباب المدرج على الجانب الشمالي الغربي والأقرب إلى القاهرة، الذي يُفضي إليه طريق صاعدة ومزودة بدرجات دائرية. المداخل الأخرى هما بابا القرافة المتصلين بأرض المدافن. كما يحتوي داخل القلعة على بئر يوسف، الذي حُفر بعمق 87 مترًا في الحجر الجيري الصلب، ويُعتبر تحفة هندسية لتوفير المياه اللازمة للشرب.
على الرغم من أن صلاح الدين الأيوبي لم يسكن القلعة بسبب انشغاله في حروبه مع الإفرنج في سوريا وفلسطين، قام أخوه الملك العادل بإتمام بناء القلعة وتعزيز دفاعاتها. كما شيد الملك الكامل، بعده، مجموعة من الأبنية الحصينة حول القلعة، وأقام القصور الملكية في الربع الجنوبي منها، وأقام في الوسط مبنى القاعة الكبرى للحكومة. استمرت القلعة كمقر رسمي لحكام مصر حتى نهاية القرن التاسع عشر.
تحتوي القلعة على طرز معمارية متميزة، مثل قصر أبلق الذي بناه السلطان الناصر قلاوون، والذي يبرز جدرانه المصممة بتكسية رخامية ورسوم فسيفسائية، وقد كان مقرًا للحكم. وفي وسط الإيوان، نُصِب العرش من العاج والأبنوس.
في مسجد الناصر، يمكن رؤية أعمدة ذات أشكال متنوعة تعود لحقب تاريخية مختلفة، من الأعمدة الرومانية والكورنثية إلى الفرعونية والقبطية والإسلامية. يتميز المسجد بقبة منتفخة الجوانب، ونوافذ جصية مقسمة إلى مربعات صغيرة، وقمم بصلية الشكل مكسوة بالقاشاني، متأثرة بالعمارة الفارسية والمغولية.
أثارت الزخارف في المسجد شائعات عن لعنة أصابت القاهرة، بسبب القاشاني الذي أهداه ملك مغولي وصُنع في الهند وفق ذوق وثني. جدران القصر تزينها نقوش شرقية تتماشى مع الطراز العثماني، وتعتبر قاعة الساعات أجمل ما في القصر، حيث زُينت الخشبيات وألواح الجص الملون.
أمّا مسجد محمد علي، فهو أروع إضافة قام بها محمد علي باشا في العهد العثماني، ويُعرف بفخامته وجماله. أُقيم في أعلى مرتفع في القلعة، مشرفًا على القاهرة، ويتميز بتوازن نادر بمئذنتيه الرشيقتين اللتين ترتفع كل منهما 84 مترًا، وقبة رئيسية تعلوها. بيت الصلاة الفسيح يتميز بجدرانه العالية وقمريات الزجاج الملون، وأعمدته الرخامية الرشيقة، ومنبره المزخرف بأسلوب باروكي. يضم المسجد أيضًا ساعة القلعة، هدية من ملك فرنسا لويس فيليب إلى محمد علي باشا، لتكمل روعة المسجد وإعجابه.