حوارات و تقارير

علاقة استثنائية بين الأمير والطباخ: جامع شيده الأول وأعاد بناءه الثاني!

تُعرف المقولة الشهيرة “أقصر طريق إلى قلب الرجل معدته” بأنها قديمة، وربما تعود إلى أشعب الطماع، الذي نقل عنه صاحب “العقد الفريد” ابن عبد ربه الأندلسي: “قيل لأشعب: ما أحسن الغناء؟ قال: نشيش المقلي، قيل له: فما أطيب الزمان؟ قال: إذا كان عندك ما تنفق. وكان أشعب يغني: وكان الحب في القلب فصار الحب في المعدة”. وعلى الرغم من صعوبة اعتبارها قاعدة علمية صماء، فإنها تبقى متجذرة في التطبيق العملي عبر التاريخ. ومن هذا المنطلق، لا نستغرب وجود علاقات خاصة بين الأمير المملوكي أو السلطان وبين طباخه. الذي لم يكن فقط مسؤولًا عن صحة وحياة الأمير، بل كان أيضًا مُتفننًا في إرضاء شهوته الغذائية في كل وقت ومكان.

 شهوة الطعام والحياة المملوكية

تجد شهوة الأمير أو السلطان للطعام تفسيرًا في طبيعة الحياة المملوكية المتقلبة والمليئة بالأهوال. مما يزيد من مستويات هرمون “الكورتيزول”، الذي بدوره يزيد الشهية لتناول الطعام وتراكم الدهون.

 جامع الطباخ: رمز لعلاقة مميزة

القصة التي سنسردها اليوم تتجاوز هذه العلاقة التقليدية بين الأمير والطباخ. هنا، لا نتحدث عن الأطعمة الفاخرة أو الوصفات السرية، بل عن جامع شيده الأمير وأعاد بنائه الطباخ!

 الأمير جمال الدين آقوش

الأمير المنشىء هو جمال الدين آقوش بن عبد الله الأشرفي، الذي كان من مماليك السلطان قلاوون، ثم خدم ابنه السلطان الأشرف صلاح الدين خليل. ونتيجة لولائه، أصبح نائبًا لمدينة الكرك في الأردن لمدة عشرين عامًا. بعد ذلك، تولى نيابة دمشق قبل أن يعود إلى مصر حيث تم اعتقاله لفترة قصيرة، ثم أفرج عنه ليحتل مكانة مميزة في بلاط السلطان الناصر محمد بن قلاوون.

مآثر الأمير جمال الدين

من أبرز مآثر الأمير جمال الدين آقوش هو اهتمامه بالمدرسة الصالحية، التي بناها الملك الصالح نجم الدين أيوب. كانت المدرسة أول مؤسسة تعليمية في مصر تُدرس المذاهب الفقهية السنية الأربعة. عام 730هـ، قام الأمير بإعادة تنظيم المدرسة، حيث عين خطيبًا ومؤذنين، وأوقف عليها موارد مالية ثابتة.

 الإشراف على البيمارستان المنصوري

أسند إلى الأمير جمال الدين نظر البيمارستان المنصوري عام 723هـ، حيث أجرى إصلاحات كبيرة، وجدد الدهان والبياض، وأعاد طلاء الطراز الذهبي. كان الأمير يتفقد أحوال المرضى بنفسه، وأحيانًا يتخفى ليلاً ونهارًا لضمان جودة الرعاية الصحية المقدمة. يُعد هذا السلوك من الأمير مشابهًا لما نسميه اليوم في أنظمة الجودة الصحية الحديثة بـ (Leadership WalkRounds)، حيث تقوم قيادة المستشفى بالمرور على الأقسام لاستطلاع آراء المرضى والممارسين الصحيين لتحسين الخدمات المقدمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى