أحمد رفعت يوسف يكتب: الأسد في طهران .. أكثر من زيارة تعزية
أخيراً حطت طائرة الرئيس السوري بشار الأسد في طهران، للتعزية با.ست.شهاد الرئيس إبراهيم رئيسي، ووزير الخارجية حسين أمير عبد اللهيان، ورفاقهما، في حادث تحطم الطائرة التي كانت تقلهم.
بزيارته قطع الرئيس الأسد، كل التحليلات والتأويلات، التي حاولت التشويش على العلاقات السورية الإيرانية، لتؤكد أنها مجرد أحلام وأوهام وأحقاد، أكثر مما هي واقع على الأرض، وأن المؤكد في هذه العلاقات، أنها ثابتة وراسخة واستراتيجية.
كان يمكن لسورية، أن تكتفي بمستوى مشاركتها في مراسيم التشييع، من خلال الوفد الرسمي، الذي ترأسه رئيس الحكومة، المهندس حسين عرنوس، وكان من بين أعضائه، اللواء علي مملوك، المستشار الأمني الخاص للرئيس الأسد، خاصة وأن الجميع، يعرف بوجود أسباب شخصية وإنسانية، تبرر غياب الرئيس الأسد عن مراسيم التشييع، بسبب تزامنها، مع الإعلان الرسمي في سورية، عن مرض السيدة أسماء الأسد، بمرض اللوكيميا، وانشغال الرئيس الأسد بهذا الموضوع.
كما أن البروتوكولات الدولية، والعلاقات بين الدول، لا تستلزم حضوره الرئيس الأسد شخصيا، مع الإشارة، إلى أن المشاركة السورية في تشييع جنازة الإمام الخميني حين وفاته، كانت على نفس المستوى، بحضور رئيس الحكومة، رغم الرمزية الخاصة للإمام الخميني، والعلاقة الخاصة، التي كانت تربط سورية والرئيس الأسد الأب، مع الإمام الخميني وإيران.
لكن إصرار الرئيس الأسد، على الحضور شخصيا، لتقديم واجب العزاء با.ست.شها.د رئيسي ورفاقه، حمل مؤشرات، أبعد بكثير من كونها مجرد زيارة للتعزية، لتعطي دلالتان هامتان، تحكمان العلاقة السورية الإيرانية.
الأولى: الإيمان الشخصي للرئيس الاسد، بالعلاقات مع إيران، والقيادة الإيرانية، وأن هذه العلاقة، استراتيجية وخط أحمر، وهو ما أكده البيان السوري عن الزيارة الذي أكد “أن العلاقات بين سورية وإيران، قوية وراسخة، لخدمة الشعبين في البلدين، وكذلك لاستقرار المنطقة كلها”.
والثانية: أنها رسالة لكل الأطراف الإقليمية والدولية، بأن أي تقارب أو انفتاح على دمشق، لن يكون على حساب خياراتها الاستراتيجية، وعلاقاتها الإقليمية والدولية، وفي مقدمتها العلاقة مع إيران.
طبعا هذا لا يلغي، أن الأوضاع الإقليمية والدولية، والظروف السياسية، التي تمر بها المنطقة، وفي مقدمتها الصراع مع العد.و الص. هيو.ني، والعد.و.ان على غزة وتداعياته، يتطلب بعض الإجراءات الأمنية والسياسية، لكن هذه الإجراءات، تخضع لتقييم وتوافق الطرفين، وليس استجابة لأحلام أو رغبات هذا الطرف أو ذاك.
ما يؤكد هذا التوجه، أن الزيارة تزامنت، مع العديد من الخطوات الهامة، التي اتخذتها عدة دول عربية وأجنبية، في إطار انفتاحها على دمشق أبرزها:
** تعيين السعودية سفيراً لها في دمشق، ونقل ملف الحجاج السوريين من الائتلاف السوري المعارض إلى الحكومة السورية، وتقديم قطع غيار وفنيين، لصيانة الطائرات المدنية السورية، المتوقفة لأعطال فنية بسبب الحصار.
** الحديث عن وجود اتصالات سورية أمريكية، وراء الكواليس، وفي العاصمة العمانية مسقط، ويمكن قراءة مؤشراتها، من القرار المفاجئ، الذي اتخذه الرئيس الأمريكي جو بايدن، بسحب مشروع قانون “مناهضة التطبيع مع سورية” من التداول، والحديث عن توصل دمشق وواشنطن، إلى تفاهمات، قد نرى نتائجها على الأرض، خلال المرحلة المقبلة، وقد تمهد للانسحاب الأمريكي من سورية.
** الصمت التركي، على الضربات الموجعة، التي يوجهها الطيران السوري الروسي، ووحدات الجيش السوري، للمجموعات الإر.ها.بية المس.لحة في ادلب وجوارها، رغم أنها كنت تعمل سابقاً، على شن حملات عنيفة، ضد هذه العمليات، وتصورها على أنها استهداف للمدنيين، وتعمل على تهجيرهم.
** وجود اتصالات، بين شركات طيران عربية وأوروبية، لاستئناف الرحلات الجوية، من وإلى دمشق.
ربما تساهم دبلوماسية “الصمت أكثر من الكلام” التي تعتبر أحد ميزات السياسة السورية، مضافاً إليها ضعف قدرات وسائل الإعلامية السورية، وابتعادها عن الغوص في كواليس السياسة، في التقصير في توضيح مسارات السياسة السورية، ورسائلها، وفي نقل الصورة الحقيقية، حول الانفتاح العربي والغربي على سورية، مما يعطي الفرصة، لإعلام الطرف الآخر، لتكريس الصورة النمطية، بأن هذا الانفتاح، مشروط باتخاذ القيادة السورية، خطوات محددة داخلية وخارجية – ومنها العلاقات مع إيران – كشرط للانفتاح عليها، وتفسير عمليات الإصلاح، التي يقوم بها الرئيس الأسد، على أنها استجابة لهذه الشروط، وليس لمتطلبات وسياسات داخلية.
طبعا هذا لا يلغي وجود محاولات، لفرض أجندة خاصة على سورية، وجدت تعبيرا لها، في الخطة التي نقلها الأردن إلى القيادة السورية، على مبدأ “خطوة مقابل خطوة” لتطبيع العلاقات مع سورية، وهي شروط أمريكية إسرائيلية، بوجه عربي، لكن العبرة ليس في تقديم الطلبات والخطط، وإنما في مصيرها، في ظل مقولة ثابتة، في الخطاب السياسي السوري، بأن ما عجزوا عن أخذه، من خلال العد.و.ان، لن يأخذوه من خلال السياسة، أو القوة الناعمة.
أما من يريد أن يعرف هوية سورية، وأين موقعها، وما هو موقفها، فليقرأ بشكل عقلاني وهادئ، وبعيداً عن الأمنيات والأحلام والأحقاد، كلمة الرئيس الأسد، أمام مؤتمر حزب البعث، وفي رسالة التعزية التي أرسلها للسيد حس.ن نص.ر ا.لله، بوفاة والدته، وفي دلالات ومؤشرات زيارته إلى طهران، وما قيل فيها من كلام، والذي يجمع بينها، ما قاله بشكل واضح جدا، في كلمته أمام مؤتمر حزب البعث، والذي حدد فيها، الثوابت السورية، بأنها “لن تغير من سياساتها وخياراتها، بعد كل هذه التضحيات”.. وأن ما يجري، “يؤكد انتصار الخيارات السورية، لأن كلفة مقا.و.مة المخططات العد.وا.نية والا.ستعما.ر.ية، التي تستهدف سورية والمنطقة، أقل كثيرا،ً من ثمن الاستسلام لهذه المخططات” وهذه النقطة تم التأكيد عليها في طهران.
كما “لن تغير، موقفها من ا.لكيا.ن الص.هيو.ني، ومن الصراع الوجودي، مع هذا ا.لكيا.ن العد.وا.ني، وبأن التطبيع خطأ كبير، يضر بالمصالح العربية والفلس.طين.ية، خاصة وأن أي تغير في الموقف السوري تجاه إسرائيل، يعني التنازل عن الحقوق، وهو أمر لم يكن مطروحاً سابقاً، ولن يكون كذلك مستقبلاً”.
كما أن “أي تحرك سياسي ودبلوماسي، لن يكون على حساب علاقات سورية العربية والدولية، ولن يجعلها تنجر، إلى تحالفات لا تتناسب مع مصالحها وثوابتها، التي دافعت عنها، وقدمت التضحيات لأجلها، خاصة وأن هذه العلاقات، قائمة على الاحترام المتبادل، وعلى احترام الدولة السورية، ومصالح شعبها، وكانت إلى جانب الشعب السوري، في تصديه للهجمة العد.وا.نية والإر.ها.بية الشرسة على سورية”.
قالت سورية كلمتها، وقدمت العزاء باستشهاد رئيسي مرتين، ونعتقد أن هذا كاف، لمعرفة موقع وموقف سورية، أما من يريد أن يصطاد في الماء العكر، فالسياسات وعلاقات الدول، وإدارة المعارك والصراعات، لا تبنى بالأحلام والأمنيات والأحقاد.