تاريخ ومزاراتحوارات و تقارير

حكاية شم النسيم.. لماذا يكون يوم الاثنين من كل عام وسر ارتباطه بعيد القيامة المسيحي

أميرة جادو 

أيام تفصلنا عن د عيد “شم النسيم”” وهو من أشهر الأعياد المصرية القديمة التي ترجع جذورها لآلاف السنين، نقلته شعوبا وحضارات إنسانية أخرى عن قدماء المصريين، وتربط المصادر والدراسات التاريخية بين عيد شم النسيم والعقيدة المصرية القديمة، حيث ارتبط ذلك العيد في مصر القديمة، بفصل الحصاد “شمو” والذي يرمز للبعث وتجدد الحياة، وذلك وفقا للفلسفة الآزورية التي عرفها المصري القديم.

 عيد شم النسيم قديمًا

وبحسب ما جاء في كتاب “شم النسيم.. أساطير وتاريخ وعادات وطقوس”، للباحث في التراث واللغة المصرية القديمة “عصام ستاتي”، فإن شم النسيم، وعيد الربيع، والنيروز، والفصح، وعيد أدونيس، ورأس السنة البابلية، جميعها أسماء لعيد واحد، مشيرًا إلى أن “شم النسيم” بقي لليوم، على الرغم من اختفاء أعياد أخرى عرفتها مصر القديمة، مثل “وفاء النيل”، واندماج أعياد أخرى في نسيج الديانات السماوية، وأصبحت أعيادا دينية خالصة، وبقي شم النسيم دون صهره أو دمجه في داخل المنظومة العقائدية، وصار على مر الزمان وحتى اليوم عيدا لكل المصريين من مسلمين ومسيحيين.

ظهور الاحتفال بعيد شم النسيم

كما لفت “الكتاب”، إلى أن العيد انتقل من مصر إلى العديد من الممالك في العالم بنفس الفلسفة الآزورية التي تعبر عن البعث وتجدد الحياة، حيث أخذت الأسطورة أشكالاً مختلفة للتعبير عن الحصاد، (إله يموت ثم يعيش فتنتعش الدنيا وتزدهر)، وانتقلت الاحتفالات بعيد شم النسيم ، “شمـو” المصري القديم، بنفس الوظيفة الدينية ذات الصلة بالعبادة، إذ كانت الديانة في مصر القديمة وظيفية، لكل إله وظيفة وغرض من تقديسه ، وانتقل هذا العيد للممالك والحضارات الأخرى بأسماء مختلفة وعادات قد تتشابه أحيانا وتختلف أحيانا أخرى.

بالإضافة إلى أن “الحضارات القديمة” اعتبرت هذا العيد رأسا لعامهم، كما كان عند المصريون القدماء، بأن اتخذوه رأسا لسنتهم غير الزراعية (سنتهم المدنية)، واعتبروه أيضاً بداية الخلق وأول الزمان، وأقاموا الاحتفالات والطقوس كما فعل المصريون، ومن بين تلك الحضارات التي انتقل إليها عيد شم النسيم البابلية، والفينقية، والفارسية.

لماذا بتم الاحتفال بعيد شم النسيم يوم الإثنين

ومن جانبه، أشار الباحث المصري، “عصام ستاتي”، إلى أن “عيد شم النسيم” قد انتقل بعد ذلك إلى المسيحية، لأنه وافق مصادفة عيد القيامة، ولما دخلت المسيحية مصر، أصبح عـيدهم يلازم عيد المصريين القدماء، ولذلك يقع شم النسيم دائما يوم الاثنين أي اليوم التالي لعيد الفصح، أو عيد القيامة، ويقع شم النسيم وسط مجموعة من الأعياد القبطية المسيحية ، فهو يقع مع أربعاء أيوب، وخميس العهد، والجمعة الكبيرة، وسبت النور وعيد القيامة.

وفي السياق ذاته، واجه المصريون مشكلة في الاحتفال بهذا العيد “شم النسيم”، في القرن الرابع الميلادي، إذ إنه كان يقع دائمًا داخل موسم الصوم الكبير المقدس الذى يسبق عيد القيامة المجيد، الذى يصومه عدد كبير جدًا من المسيحيين، وفترة الصوم تتميز بالنسك الشديد والاختلاء والعبادة العميقة مع الامتناع طبعًا عن جميع الأطعمة التي من أصل حيواني، فكانت هناك صعوبة خلال فترة الصوم في الاحتفال بعيد الربيع، بما فيه من انطلاق ومرح وأفراح ومأكولات، لذلك رأى المصريون المسيحيون وقتها تأجيل الاحتفال بعيد الربيع «شم النسيم» إلى ما بعد فترة الصوم، واتفقوا على الاحتفال به في اليوم التالي لعيد القيامة المجيد، الذى يأتي دائمًا يوم أحد، فيكون عيد «شم النسيم» يوم الاثنين التالي له.

ومن أشهر الأكلات التي يتناولها قدماء المصريين في يوم شم النسيم، الآوز والبط، وذلك بجانب الخماسية المقدسة، وهي البيض والفسيخ والبصل الأخضر والخس والملانة.

أصل التسمية.. ومعنى شم النسيم

ويجدر الإشارة إلى أن “عيد شم النسيم” يعتبر من الأعياد الطبيعة، وقد سمي في اللغة المصرية القديمة (الهيروغليفية) باسم “شمو” وهي تسمية كانت تطلق على أحد فصول السنة المصرية القديمة، وبمرور الزمن تغير هذا الاسم من “شمو” إلى “شم”، خاصة في العصر القبطي، ثم أضيفت إليه كلمة “النسيم” فأصبح “شم النسيم”، تعنى “بستان الزروع”، “شوم” تعنى “بستان”، و”نسيم” nicim تعنى “الزروع”.

ومعنى كلمة “شمو” في الهيروغليفية “فصل الحصاد”، حيث قسم المصري القديم السنة إلى ثلاثة فصول هي أخت (فصل الفيضان)، ويبدأ من شهر يوليو إلى شهر أكتوبر، ثم برث (فصل بذر البذور)، ويبدأ في نوفمبر، ثم شمو (فصل الحصاد)، ويبدأ في مارس.

والجدير بالذكر أن عيد “شم النسيم” قديمًا، ارتبط بإقامة الاحتفالات الضخمة، وتبادل الورود، والتجمعات وولائم أكل السمك المملح “الفسيخ”، وغيره من الأطعمة التي ارتبطت بتلك المناسبة، فقد توارث المصريون الكثير من تلك المظاهر التي عرفتها مصر القديمة في الاحتفال بـ”شم النسيم”، وبقيت تلك المظاهر باقية حتى اليوم، وفي مقدمتها الخروج للحدائق العامة، وشواطئ نهر النيل، وأكل “الفسيخ” وغير ذلك من الأطعمة والطقوس التي تشهدها مصر خلال الاحتفال بـ”شم النسيم” في كل عام منذ عهود الفراعنة وحتى اليوم.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى