تاريخ ومزارات

المحتسب مصطفى الكاشف.. كيف ساعد على ضبط الأسواق في عهد محمد علي

أسماء صبحي

الحسبة هي وظيفة تعطى لشخص أو هيئة لتقويم الاعوجاج، وتغيير المنكر. والسعي في إصلاح المجتمع، ويختار صاحبها ممن جمع بين العلم والوجاهة.

وعندما اعتلى محمد على باشا عرش مصر كثرت الشكوى من أفعال السوقة وانحرافهم. وقلة طاعتهم وعدم مبالاتهم بالضرب والإيذاء والتجريس. فوقع اختياره على المحتسب مصطفى الكاشف كرد ليقلده وظيفة الحسبة وأطلق له الإذن ومنحه الباشا صلاحيات مطلقة.

المحتسب مصطفى الكاشف

كان الكاشف يقوم بجولاته في المدينة في شكل موكب مهيب لفتت على الدوام أنظار الرحالة. حيث كان يصحبه في موكبه كثيرون من بينهم على وجه الخصوص حاملوا الموازين. ومن بأيديهم الكرابيج لضرب كل من يغش وينقص في الوزن.

واظب الكاشف على السعي والطواف ليلًا ونهارًا لا ينام الليل. بل ينام لحظة وقت ما يدركه النوم في أي مكان ولو على مصطبة حانوت. وكان يمر على الدكاكين والأسواق واحداً بعد الآخر يفحص الموازين والمكاييل. ويستفسر عن ثمن المأكولات، ويتأكد من نظافتها، وإذا اكتشف مخالفة ينزل العقاب بمرتكبها.

أمر الكاشف أصحاب الحوانيت بكنس الأسواق ومواظبة رشها بالماء ووضع القناديل على أبواب الدور. وعلى كل ثلاثة من الحوانيت قنديل، وكذلك الاهتمام بمشاكل البلديات كنظافة الشوارع وتأمين حرية المرور داخل الأسواق.

عقوبة الغش

بات يطوف على الباعة ويضرب بالدبوس لأدنى سبب، ويعاقب بقطع شحمة الأذن. فأغلق التجار الحوانيت ومنعوا وجود الأشياء على ما جرت به العادة في رمضان من عمل الكعك والرقاق وغيره. فلم يلتفت لامتناعهم وغلقهم الحوانيت وزاد فى العسف ولم يرجع عن سعيه واجتهاده.

كما قام بمراقبة الأوزان والمقاييس والأسعار في الأسواق الرئيسية باحثًا عن السمن والجبن، وكل ماهو مخزون من السلع. ويخرجه ويدفع ثمنه لأصحابها بالسعر المفروض ثم يوزعه لأصحاب الحوانيت. ليبيعوه على الناس بزيادة نصف أو نصفين في كل رطل.

في بولاق كان أحد كبراء العسكر يحتكر تجارة السمن ويرفع أسعاره كما يحلو له. فتوجه له الكاشف واستخرج منها ثلاثمائة وخمسين ماعونًا من السمن. وحمل المواعين على الجمال إلى الأمكنة التي أعدها لها عند باب الفتوح ليبيعها للناس بسعر مناسب.

وتذكر كتب التاريخ عقوبات فريدة أنزلها هذا المحتسب بالغشاشين. ومنها معاقبته لصانع الكنافة ناقصة الوزن بجلوسه عاري المؤخرة فوق صينية الكنافة الساخنة. وأحياناً كان جزءاً من الأذن أو الأنف. وأما من غش في القلل فقد أمر بتكسير كل بضاعته على رأسه ليكون عبره لغيره.

روى عنه أنه صادف عجوزاً يسوق حميراً تحمل بطيخاً فاستوقفه وسأله عن سعر واحدة منها. فأشار الرجل إلى أذنيه وقد وضع سبابته عليهما فلم يفهم الكاشف. فكرر سؤاله مرات حتى ظن أن الرجل أصم، فقال له العجوز:

“يا سيدى اقطعها، لأني لو قلت لك إن سعر البطيخة عشر فضات ما أعجبك وأمرت بقطع أذني. ولو قلت لك بخمس فضات لأمرت أيضاً بقطعها، فاقطعها ودعني أمضِ في سبيلي” فضحك المحتسب وترك الرجل يمضي.

لم يكن قطع الأذن هو العقاب الوحيد الذى ينزله المحتسب بالمخالفين. حيث كانت هناك أشكال أخرى للعقاب، منها مثلاً أنه قطع مرة أوقيتي لحم من جسد أحد الجزارين. لأنه باع لأحد الأشخاص كمية من اللحم وأنقص منها أوقيتين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى