علاء عبد الله يكتب..
قانون تحوت والجبالي
مشهد مهيب جديد تقدم به مصرنا نفسها للعالم من خلال برلمان «يفتح النفس» كما يقول المصريين في أمثالهم الشعبية الجميلة.. إن الجلسة الافتتاحية لمجلس النواب الجديد والتي ظهرت في أبهى صورها وعلى الهواء المباشرة أكدت أن الخطوات المصرية نحو الديمقراطية تثير دون كلل ودون مزاديدة ودون مساومة ودون متاجرة هنا أو هناك، لأن ديمقراطيتنا نصنعها بأيدينا بعيدا عن سماسرة الحرية المزعومة ومدعي حقوق الإنسان والمقامرين بمصائر الدول والشعوب وتجار الفوضى وأصحاب الشعارات الممولة بدولارات الإرهاب.
لاشك عندي أن الجلسة الأولى للبرلمان المصري خرجت على قدر مصر وحجمها عراقتها وحضارتها وتاريخها الممتد في القدم لأبعد الحدود، ويحق لنا كأمة مصرية أن نفخر ليس بما نراه فقط ولكن بماضينا وتاريخنا الذي اخترع أبجديات الحكم وأسس أولى مجالس اتخاذ القرار، ووثق على جدران المعابد كيق تصاغ وتعتمد الاتفاقيات السياسية وكيف تساس علاقات الدول ببعضها والفرق بين السياسة الداخلية والخارجية، وكانت مصر أول من عرفت المصالح القومية العليا واخترعت من السبل والأسباب ما مكنها من صون حقوقها خارج الحدود ومطاردة الخطر أينما كان فاخترعت الحروب وارسال الجيوش والقادة العسكريين وأنتجت مصر أول شكل حقيقي لمنظومات الدفاع لدى الدول.
بكل ما سبق وغيره مما لا تكفيه مجلدات لتوثيقه جميعها يصب في أن الدولة المصرية تملك من العراقة والعمق ما يجعلها أكبر من أي اتهام أو الوقوف ندا لدول لا يكاد يذكرها التاريخ وظنت في غفلة أنها من أرباب الحضارات.
أعادني مشهد الجلسة الافتتاحية لبرلمان مصر تلك المشاهد التاريخية للبرلمان المصري الأقدم في المنطقة وكيف عرفت مصر النظام البرلماني ويكفي أن تعرف أيها المصري الأصيل أن تاريخ البرلمان والمجالس التشريعية في مصر يعود لـ 2500 سنة مضت منذ عصر مينا العظيم الذي وحد القطرين وأنشأ أول نظام تشريعي حينما جعل من قانون تحوت إله الحكمة قانونا موحدا لسائر الأقليم المصري واتخذ من مدينة منف أو عاصمة إدارية لأول دولة مركزية في التاريخ.
وفي الأسرتين الثالثة والرابعة عرفت مصر سن القوانين والتشريعات والمراسيم المختلفة، بما يتناسب مع المجتمع، مثل المرسوم الذي حدد أوقات عمل الفلاح ومثل تشريع الملك “منكاورع”، الذي استهدف محاربة السخرة، ونستطيع أن نتبين مدى التقدم والتنوع في المهام التي تؤديها الدولة من مطالعة نقوش مقبرة “رخمي رع” رئيس وزراء ورئيس قاضاة الملك تحتمس الثالث على جدران مقبرته في طيبة إذ تحتوي على تسجيل كامل للتشريعات الخاصة بشرح أعمال الوزير ووظائفه.
وفي عصر الدولة الفرعونية الحديثة برز دور الملك حور محب، الذي يعد من أهم المشرعين في تاريخ الإنسانية حيث تميزت تشريعاته بالطابع المدني بعيدا عن الاعتبارات الدينية ، كما اهتم باصدار العديد من القوانين التي تنظم العلاقة بين الفرد والسلطة الحاكمة ، كما أن لتشريعاته فضل السبق في ترسيخ فكرة الحريات والحقوق العامة مثل حرمة المسكن وحرمة الطريق كما أعتمد فكرة كون الوظيفة العامة خدمة للشعب وليست وسيلة للتسلط عليه، وهنا قلب الديمقراطية المصرية القديمة والتي نسبتها بلاد كثيرة لنفسها متناسية أن التاريخ لا ينسى ولا يزيف ولا يسرق ولا يخفت بريقه فمصر مثل الذهب لايهبط سعره ولا يذهب سحره سواء في عصر مينا أو المستشار الجبالي فكلاهما جينات مصرية نادرة.