العصر الهيلينستي.. من الإسكندر إلى الرومان
في فترة العصر الهيلينستي، التي تعَدُّ فترةً تاريخيةً هامةً في العصور القديمة، ازدهرت الثقافة اليونانية بمظاهر عدة، حاملةً معها روح الحضارة في تلك الحقبة. بدأت هذه الفترة بعد وفاة الإسكندر الأكبر في عام 323 ق.م.واستمرت لمدة تقريبية 200 عام في اليونان وحوالي 300 عام في المناطق الشرقية من البحر الأبيض المتوسط. يُستخدَم مصطلح “هيلينستية” لتمييز هذه الحقبة عن الفترة الهيلينية التي اشتهرت بعظمة الفكر والعلوم والفلسفة اليونانية في زمن الإمبراطورية الأثينية.
قد وضع المؤرخ يوهان جوستاف دريزن في منتصف القرن التاسع عشر مصطلح “هلنستية” للتعبير عن الفترة التي انتشرت فيها الثقافة اليونانية خارج حدود اليونان بعد غزو الإسكندر. كما وصفها في كتابه الكلاسيكي “تاريخ الهلنستية”. خلال هذه الفترة، امتد تأثير الثقافة الإغريقية في أوروبا وآسيا، وعرفت عادةً بأنها مرحلة انتقالية تشهد تراجعًا في عظمة الفكر الإغريقي حتى ظهور الإمبراطورية الرومانية.
تعتبر بداية الحقبة الهيلينستية من وفاة الإسكندر في عام 323 ق.م، وتعَتَبَرُ هزيمة آخر مملكة لملوك طوائف الإسكندر بعد معركة أكتيوم في عام 31 ق.م أو غزو الرومان لقلب اليونان في عام 146 ق.م نهاية هذه الفترة. أثناء العصر الهيلينستي الذي بدأ في الفترة ما بين عامي 330-323 ق.م. عقب فتوحات الإسكندر المقدوني، شهدت هذه الفترة تقدمًا وازدهارًا في مختلف المجالات الثقافية والفنية والعلمية. بما في ذلك الفنون الجمالية، والفنون المرئية، والاستكشاف، والأدب، والنحت، والمسرح، والعمارة، والموسيقى، والرياضيات، والعلوم عمومًا. كان هذا العصر مرحلة تركيبية ونهضوية في العديد من المجالات الثقافية والفكرية اليونانية.
في مجال الثقافة، أبرزت مكتبة الإسكندرية في المملكة البطلمية كأكبر وأهم مكتبة في العالم القديم، حيث شكلت مركزًا للحفاظ على التراث الثقافي. عمل علماء الإسكندرية على جمع وترجمة ونسخ وتصنيف الكتب، وشكلوا مركزًا للأبحاث والتفكير. استمرت أثينا أيضًا بالمحافظة على مكانتها كمركز للتعليم العالي، خاصة في مجالات الفلسفة والبلاغة.
في المجال الديني، استمرت عبادة الآلهة اليونانية، وشهدت تغييرات في الممارسات الدينية نتيجة التأثيرات الاجتماعية والسياسية. تبنى المهاجرون اليونانيون دينهم حيثما ذهبا. وشهدت المدن مزيجًا متنوعًا من العقائد الدينية، بما في ذلك الآلهة المصرية واليهودية. كانت الممارسات الشائعة تتضمن مطابقة الآلهة اليونانية مع الآلهة الأصلية، مما أدى إلى اندماج ثقافي جديد.
العصر الهيلينستي
شهد العصر الهيلينستي أيضًا تحريرًا من الوهم الديني التقليدي، حيث أدى ظهور الفلسفة والعلوم إلى
إزالة الآلهة من بعض المجالات التقليدية. نشأت فكرة اليوهيمرية التي تقول أن الآلهة هي مجرد ملوك وأبطال قدماء، وشهدت ظهور تيارات فلسفية جديدة تركز على محورية الإنسانية واللاأدرية.
في المجال الديني أيضًا، كانت العبادات الملكية مرتبطة بحكم الممالك. حيث اتخذ الملوك الآلهة كرعاة وآلهة حماة. شهدت ممارسات العبادة توجيهًا للتكريم الملكي من خلال التضحيات والتماثيل والمذابح. كانت السحر وعلم التنجيم ممارسات شائعة في هذا العصر، وكانت ترتبط بمختلف المجالات الدينية والثقافية.
بهذا الشكل، يظهر العصر الهيلينستي كفترة متنوعة وثرية في التاريخ القديم. حيث اندمجت العديد من العقائد والثقافات لتشكل فترة فريدة من نوعها. تأتي هذه الفترة بإنجازات عظيمة في ميدان العلوم والفنون والفلسفة، وتظهر كفترة محورية في تطور الحضارة الإنسانية.