كتابنا

د. حسن أحمد حسن يكتب:الحمام الزاجل من مضيق هرمز إلى شمال غزة

د. حسن أحمد حسن يكتب:الحمام الزاجل من مضيق هرمز إلى شمال غزة

لا ضير في أن يبقى بعض من يسبحّون بمجد أميركا غارقين في أوهامهم التي تظهر لهم واشنطن على أنها القدر الذي لا رادّ له إلا بكسب رضاها،

وقد يكون لانبطاح أولئك وتسابقهم على تمريغ جباههم بأماكن وطء أقدام المارينز الأميركي دور إيجابي ومثمر، لأنهم ثبَّتوا في اللاوعي قناعة اليانكي الأميركي بقدرته الخارقة، وإمكانية التنفيذ العملي للقفزات التي يؤدّيها السوبرمان الأميركي من بناية إلى أخرى والطيران في الجو لمسافات بعيدة

كما تجسّده الامبراطورية الهوليودية في أفلام السينما، والناحية الإيجابية الكامنة في ذلك تتلخص في ارتهان القرار الأميركي إلى اليقين الخادع بأن لا أحد في الكون يجرؤ على شق عصا الطاعة الأميركية، وقد ساهم هذا التورّم السرطاني لــ «الأنا» المرضية في منح بقية الأطراف والقوى الرافضة لكل أشكال الهيمنة والسيطرة وفرض التبعية الفرصة الألماسية لتطوير القدرات الذاتية وبناء عوامل القوة الشاملة والكفيلة بإلزام الممثلين على خلع سترات الوهم والخروج من عالم استوديوات التمثيل والخدع البصرية إلى عالم الواقع حيث يرى العالم الحقيقة كما هي من دون أية ماكياجات أو أقنعة زائفة لا تغني ولا تسمن من جوع، وإذا كان عشاق السطوة الأميركية والمفتتنون بعربدات البنتاغون والسي أي آي والبيت الأبيض وبقية مفاصل صنع القرار الأميركي ما يزالون يعيشون نشوة هدير محركات البوارج والمدمرات وحاملات الطائرات الأميركية والأطلسية وتوجهها لنجدة «إسرائيل» زرافات ووحدانا في مواجهة بأس الغزاويين وغضبتهم، فعلى أولئك أن يتابعوا ما حدث يوم الأحد 27/11/2023 في مياه الخليج ومضيق هرمز بالتحديد.

فزعة العشيرة الناتوية تلبية للاستغاثة الإسرائيلية لم تؤتِ أكلها ولن تأتيه قط، وما تمّ تصويره من رعب وتخويف وتهديد مبطن وعلني ليس أكثر من صراخ في وادٍ يشهد احتضار كيانهم المدلل الذي فقد القدرة عن أداء غالبية المطلوب تنفيذه ضمن الدور الوظيفي المُناط به، فها هي حاملة الطائرة العملاقة «أيزنهاور» تلتزم صاغرة بالتحذيرات الإيرانية بعدما رأت المُسيّرات والزوارق البحرية التابعة للثورة الإيرانية في مواجهتها، وبكلّ هدوء ومن دون إثارة أيّ ضجيج أو صخب يهبط الطيران العمودي المحلق ويأخذ مكانه المخصص على الحاملة، وتلتزم قيادة «أيزنهاور» بالتحذيرات وتبدل مسار تحركها كالتلميذ العاقل نحو الجنوب، وهذه رسالة واضحة حملها الحمام الزاجل وما يزال يرفرف بها فوق رؤوس أصحاب ذاكرة السمك الذين سرعان ما ينسون أو يتناسون الرسائل التي خطها أصحاب الإرادة واليقين بأزكى الدماء وأثمن التضحيات.

أسراب الحمام الزاجل التي حملت الرسالة من مضيق هرمز اختلطت مع نظيراتها ممن حملت رسالة أخرى من شمال غزة… نعم من شمال غزة الذي ادّعى وزير الحرب الإسرائيلي يوآف غالانت ورئيس أركانه وبقية جنرالاته أن جيش الاحتلال فرض السيطرة التامة على ذاك الشمال منذ أيام سبقت الاتفاق على الهدنة المؤقتة لتبادل الأسرى، وإذا بواقع الصوت والصورة يكذب ادّعاءاتهم جملة وتفصيلاً.

صور المقاومة الفلسطينية وهي تتمّ إنجاز تسليم الدفعة الثالثة من الأسرى حمَّلت الحمام الزاجل الفلسطيني عشرات الرسائل للعالم أجمع، ومنها:
ـ رسالة للداخل الإسرائيلي المخدوع بأكاذيب نتنياهو وحكومته، وكأنها تقول لكلّ مستوطن: رئيس حكومتكم كاذب، وكلّ ما يصدر من تحت مقصّ الرقابة العسكرية من أخبار مشكوك في صحتها، فعلى رسلكم… وانظروا بأعينكم: ها هم المقاومون الفلسطينيون بلباسهم وسياراتهم «يكزدرون» في المنطقة التي قال الجيش الإسرائيلي إنه أعاد احتلالها ووضعها تحت سيطرته المطلقة، فماذا يعني ذلك؟

ـ الرسالة الأبلغ والأشد وقعاً كانت من الأسرى الذين أطلقت المقاومة الفلسطينية سراحهم، وقد أكد بعضهم أن يحيى السينوار التقاهم وطمأنهم على أنهم بأمان، واللقاء كان في ذروة الهجوم الإسرائيلي الوحشي على أطفال غزة ونسائها ومرضاها ومراكزها الصحية، فماذا أنتم قائلون يا من توزعون الوهم والكذب والنفاق، وتدّعون استمرارية جرائمكم المتواصلة بحق الإنسانية مؤكدين على الاستمرار بعدوانكم الهمجي وحربكم الوحشية حتى القضاء على حماس واجتثاثها، في حين أنكم أعجز من السيطرة على مناطق دخلها جنودكم، فابتلعت منهم ما ابتلعت وعجز الباقون عن البقاء وإقامة نقاط تثبيت؟

ـ الرسالة الأخرى للعالم برمته الذي رأى بأمّ العين همجية تعامل سلطات الاحتلال الإسرائيلي مع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين، وعلى الضفة الأخرى الجميع رأى تلويح بعض الأسيرات الإسرائيليات بأكفهن وهن يودّعن المقاومين الفلسطينيين، ويتحدثن بإشادة وامتنان عن المعاملة الإنسانية التي حظين بها، بما في ذلك الحرص على عدم خدش مشاعر الأطفال، بل وإحاطتهم بكل اهتمام وتقديم ما يحتاجه الأطفال الغزاويون ولا يجدونه، فمن هم الحيوانات البشرية يا غالانت؟ وعلى من يودّ وزير البيئة الإسرائيلي إسقاط القنابل النووية؟
ـ استقبال الأسرى الفلسطينيين المحررين بالزغاريد وهتافات الانتصار على الرغم من أنهار الدم الفلسطيني المسفوح ظلما وعدواناً، واليقين بإتمام مسيرة التحرير، وعلى الضفة الأخرى فرض التعتيم الإعلامي القسري على الأسرى الإسرائيليين الذين أطلقت المقاومة سراحهم والتحذير الشديد من إجراء أية مقابلات أو إطلاق أية تصريحات إلا بما يخدم ماكينة الكذب والتضليل الإعلامي الإسرائيلي، وعلى الرغم من ذلك ظهرت بعض الحقائق واتضحت، والأيام القليلة المقبلة حبلى بالكثير من الأخبار والحقائق الكفيلة بفضح السردية الإسرائيلية ونسف كل روافعها.

ـ رسالة أخرى كان لها وقع الصاعقة على نتنياهو وحكومته العنصرية تجسّدت بخروج أهالي الأسرى الإسرائيليين وهم يحملون الأعلام الفلسطينية، وتدخل الجيش الإسرائيلي لمنع تفاقم هذه الظاهرة التي تؤكد اتساع الهوة وتعدّد الشروخ في الداخل الإسرائيلي الذي بدأ يعي خطورة السياسة العدوانية الصهيونية على الجميع بمن في ذلك المستوطنون داخل الكيان.
هذا غيض من فيض من الرسائل التي تزيّن بها الحمام الزاجل وهو يتنقل في الأجواء جيئة وذهاباً من مضيق هرمز إلى شمال غزة، ولعلّ الآتي من الأيام يطلق أسراباً جديدة من حمام زاجل برسالة واحدة مضمونها وقف شلال الدم الفلسطيني، ووضع حدّ لعربدة تل أبيب وواشنطن ومن يدور في فلكهما الآسن بآن معاً.
وإنّ غداً لناظره لقريب…

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى