تل حلف: مدينة الآلهة والتنانين في الجزيرة السورية
تل حلف هو واحد من أبرز المواقع الأثرية في الحسكة، وهي محافظة سورية. يتميز هذا التل بموقعه الاستراتيجي جنوب رأس العين، على بعد 2 كم فقط من مصادر نهر الخابور. وقد كانت هذه المدينة عاصمة للمملكة السوبارتية القديمة.
تل حلف
في الثلاثينيات من القرن العشرين، اكتشف البارون ماكس فون أوبنهايم، وهو عالم ألماني، هذا التل بالصدفة. وذلك عندما شاهد بعض التماثيل التي عثر عليها السكان المحليون أثناء حفر قبر لأحد أقاربهم. وبدأ فون أوبنهايم عمليات التنقيب في التل، وكشف عن خمس طبقات من الحضارات المختلفة. ومن بين الآثار التي عثر عليها، هناك هيكل عمره أكثر من 4000 سنة، ومنحوتات من الحجر البازلتي تزين المعبد والقصر. وبالإضافة إلى ذلك، وجد فون أوبنهايم أشياء أخرى مثل الفخار والخزف الملون والهياكل المنقوشة والتماثيل الضخمة والتحف الفنية والأواني الصغيرة والتحف الثمينة من العاج والذهب. وقام فون أوبنهايم بتقسيم الآثار التي استخرجها بين متحف حلب ومتحف خاص أنشأه في برلين. وفي مدخل متحف حلب، يمكنك رؤية نموذج لبعض التماثيل التي تم العثور عليها في تل حلف.
في أواخر الألفية الثانية قبل الميلاد، سيطرت أسرة بيت بحياني الآرامية على الجزيرة، واختارت مدينة جوزان أو تل حلف كعاصمة لها. ومن أشهر ملوكها كبر، الذي توفي في عام 10 قبل الميلاد. وكانت مدينته العاصمة محاطة بسور مستطيل، ويمر بجانبها نهر جرجب. وكانت المدينة تضم حيين: حي سكني وحي ملكي.
مزاياه
الحفريات أظهرت قصر كبر الذي يتمتع بتصميم هندسي فريد من نوعه. ويتكون القصر من قاعة أمامية مستطيلة بها مدخل عريض، تتبعها قاعة رئيسية محاطة بغرف صغيرة من ثلاثة جوانب. والبناء الآخر هو قصر المعبد، الذي تبلغ مساحة قاعته الأمامية 36.75×5.22م، وتتبعها قاعة كبرى بنفس الطول وبعرض 8.05م، وهي أيضا محاطة بغرف صغيرة من ثلاثة جوانب. وعلى جانبي المدخل، هناك برجان يبرزان إلى الخارج. ويبلغ عرض المدخل حوالي تسعة أمتار، وارتفاعه ستة أمتار.
وينقسم المدخل إلى أربعة ممرات بواسطة أربعة أعمدة، وعلى قاعدة كل عمود حيوان ضخم من الحجر البازلتي، يبلغ طوله ثلاثة أمتار. وفي وسط الأعمدة، هناك ثور، وعلى يساره أسد، وعلى يمينه لبوة. وفوق ظهور الحيوانات، هناك تماثيل ضخمة من الحجر نفسه، تبلغ ارتفاعها 2.6م، وتمثل آلهة ترتدي تيجان مخروطية مرتفعة، وتحمل السقف الخشبي. ويظهر كل من الرجلين اللذين يقفان فوق الأسد والثور بقلنسوة وقميص قصير وعباءة تكشف عن الساق اليسرى.
وترتدي الإلهة النسائية قلنسوة وثوب رقيق يكشف عن بعض أجزاء جسدها. وعلى جانبي المدخل، هناك دعامتان، وعلى كل منها تمثال لأبي الهول. وزينت الواجهة بست لوحات من الحجر البازلتي، ثلاثة من كل جانب. وعلى إحدى اللوحات، نقش مشهد لصيد ثور. كما على السقف، صورة للشمس المشعة المجنحة، وصورة لأسد يمشي نحو اليمين. وأيضا على اللوحات التي على يمين المدخل، صورة لأسد تتوافق مع مشهد الصيد، وصورة لإله الطقس تتوافق مع صورة الشمس، ومشهد لصيد أيل تتوافق مع صورة الثور الوحشي.
بعد المرور عبر المدخل والدخول إلى القاعة الأمامية، يوجد مدخل آخر للقاعة الكبرى، يبلغ عرضه أربعة أمتار. ومن كل جانب، هناك تمثال لتنين ضخم، يبلغ طوله 2.4م.
العثور تمثال مذهل
وفي المعبد، يوجد تمثال آخر مذهل لطائر جارح ضخم، وهو أكبر تمثال عثر عليه في تل حلف. ويبلغ ارتفاعه 1.84 متر، ويقف على تاج حجري على شكل زهرة ذات ثمانية أوراق. وكما زينت قاعدة الجدار الجنوبي وبعض أجزاء من الجدران الشرقية والغربية بمائتي لوحة حجرية ملونة ومنقوشة بمشاهد مختلفة. وعدد اللوحات التي عثر عليها هو 178 لوحة، وتبلغ أبعاد كل واحدة منها حوالي 60-80 سم في الارتفاع، و45-55 سم في العرض، و20 سم في السمك. وصفت اللوحات بالتناوب بين الحجر البازلتي الأسود والحجر الكلسي المصبوغ باللون الأحمر. وعلى كل لوحة.كما أن هناك نقش لمنظر من الحياة اليومية أو الدينية أو العسكرية. ومن بين هذه النقوش، هناك فارس أو رجلين يتقاتلان أو صياد أو عربة تجرها خيول أو أيل يقفز أو تيسان يتسلقان شجرة أو أسد مجنح برأس إنسان أو حيوانات تعزف على آلات موسيقية.
في وسط القاعة، يوجد منقل كبير مصنوع من الحديد والبرونز، ويبلغ طوله 1.4 متر، وعرضه 1.2 متر، وارتفاعه 20 سم. وله أربع عجلات لتسهيل نقله. وبالقرب من قصر المعبد، يوجد قصر السكن الملكي، وهو بناء ضخم يفصله عن قصر المعبد بوابة كبيرة. وسميت هذه البوابة ببوابة العقارب، لأنها مزينة بمنحوتتين تمثل كل منهما كائناً غريبا له رأس إنسان وصدر طائر وجسم عقرب.