أحداث معركة تور بواتيه.. ولماذا سميت بـ “بلاط الشهداء” ؟
أسماء صبحي
معركة بلاط الشهداء أو (معركة تور بواتيه Poitiers) اسم أطلق على المعركة الفاصلة التي دارت في أوائل شهر رمضان سنة 114هـ / 10 أكتوبر عام 732 م. بين الجيش الإسلامي بقيادة القائد “عبدالرحمن الغافقي”، وقوات الفرنجة (الفرنسيين) بقيادة “شارل مارتل” في سهل بواتييه. بالقرب من مدينة تور على نهر اللوار وعلى مسافة 340 كم إلى الجنوب الغربي من باريس، وتسميها المصادر الغربية معركة بواتييه.
بلاط الشهداء
تقول أميمة حسين، الخبيرة في التراث، إن المعركة سميت ببلاط الشهداء، لانها حدثت بالقرب من قصر من القصور المشهورة. أما كلمة الشهداء في اسم هذه المعركة فيعود لما خلفته هذه المعركة من قتلى في جيش المسلمين.
وتابعت إن الغافقى تابعي جليل يكنى بأبي سعيد، واسمُه عبد الرحمن بن عبد الله الغافقي، ولد فى قبيلة عكّة، باليمن. ونشأ على عبادة الله، فتعلّم القرآن الكريم والحديث الشريف وتدرّب على الفروسيّة وفنون القتال. كما أجاد القيادة والتخطيط، حتى بزغ نجمُه بين أقرانه.
وأضافت: “أسند إليه الخليفة الأموي هشام بن عبد الملك إمارة الأندلس، فقام بإصلاح نظام الضرائب، وردِّ المظالم إلى أهلها. وإعادة تنظيم صفوف الجيش، وتأسيس فرق النخبة من فرسان البربر، كما أخمد دعوات الفتن والقلاقل حتى أصبحت البلاد جاهزةً لاستكمال مسيرات الفتح الإسلاميّ في أوروبا”.
كانت أوروبا في حالة ضعف لتفكك ملوكها وكثرة مشاحناتهم إلى أن نجح القائد الصليبي شارل مارتل. في تجميع جيشاً قوامه مائة الف مقاتل لصدّ هجمات الجيش الإسلامي.
معركة تور بواتيه
زحف الجيش الإسلامي الذي تكون من ثمانية آلاف مقاتل، بقيادة عبد الرحمن الغافقي وتمكن من الاستيلاء على مدن أكيتانيه الفرنسيّة. وحصد نصرًا كبيراً وغنائم كثيرة مواصلا تقدّمه حتى وصل إلى أرضٍ بين مدينتي تور وبواتيه، وانتشرت القوات الإسلاميّة على ذلك السهل إلى يسار نهر اللوار.
استمرت المعركة قرابة العشرة أيام، دار فيها قتال عنيف، بين الغافقى وجيش الفرنجة. كان النصر في بدايته لصالح المسلمين، إلى أن صاح فجأة صائح، فقال: إن الإفرنج قد استولوا على غنائم المسلمين، التي أبقاها عبدالرحمن بعيدة عن مكان المعركة حتى لاتعوق مسيرة الجيش الإسلامي”. فلما سمع الجنود هذا الصوت، اضطربوا وخافوا على غنائمهم الكثيرة أن تسقط بأيدي الإفرنج. وتنادوا لتخليصها منهم رغم تحذير الغافقى لهم بانها مكيدة.
انتهز شارل مارتل فرصة وجود خلل في مؤخّرة الجيش الإسلامي، فهاجموه وأصابوا القائد عبد الرحمن الغافقي بسهمٍ أرداه شهيداً، فانتشر خبر استشهاده مزعزعاً نظام الجيش .
واستغلّ الصليبيون هذا الوضع فدخلوا إلى موضع القلب للجيش الإسلامي وأثخنوا فيهم قتلاً. فاضطر كبار قادة الجيش الإسلامي للانسحاب تحت جنح الظلام باتجاه أرجونه، لكثرة من استشهد من المسلمين وعلى رأسهم الغافقى. تاركًا القتلى والغنائم التي اضطربوا من أجلها، ولم يتبعهم شارل مارتل للإجهاز عليهم. فقد اكتفى بهذا النصر، لانه خشي أن يكون انسحابهم مكيدة مدبرة.
معركة حاسمة
وتُعَد هذه المعركة من المعارك الحاسمة في التاريخ الإسلامي، لأنها أوقفت سيل الفتوحات الإسلامية عند جنوب فرنسا. واكتفى المسلمون بالسيطرة على شبه الجزيرة الإيبيرية، متأثرين بأثر تلك الهزيمة الشديدة التي تعرض لها الجيش الإسلامي في تلك المعركة. ولم يحاوِل المسلمون بعدها التقدم إلى هذه البلدان فيما بعد، وتوقَّفت الفتوحات الإسلامية عند جبال البرانس.
وتعددت اراء مؤرّخو القرن التاسع الميلادي في هذه المعرك، فمنهم من يرى بأنّ انتصار الفرنجة على المسلمين في هذه المعركة إنّما هو يعتبر حكماً إلهيّاً لهم. ممّا جعل قائد هذه الحرب الفرنسي شارل مارتل يمنح لقباً المطرقة. و منهم من يرى أنّ انتصار الصليبيين في هذه المعركة أنقذ أوروبا وأنقذ العالم من قبضة المسلمين.
وهناك راى يقول إنه إذا دخل الإسلام فرنسا وباقي ممالك أوروبا ربما عجل ذلك بخروجها من العصور الوسطى. واللحاق بركب الحضارة الإسلامية كما كان الحال في بلاد الأندلس وقتها.