اسباب حرب البسوس بين قبيلة تغلب بن وائل وأحلافها ضد بني شيبان
اسباب حرب البسوس بين قبيلة تغلب بن وائل وأحلافها ضد بني شيبان
حرب البسوس هي حرب قامت بين قبيلة تغلب بن وائل وأحلافها ضد بني شيبان وأحلافها من قبيلة بكر بن وائل بعد قتل جساس بن مرة الشيباني البكري لكليب بن ربيعة التغلبي ثأرا لخالته البسوس بنت منقذ وهي من قبيلة بني تميم بعد أن قتل كليب ناقة كانت لجارها سعد بن شمس الجرمي، ويذكر المكثرون من رواة العرب أن هذه الحرب استمرت أربعين عاما من سنة 494م، ويذكر المحللون أنها استمرت بضعة وعشرين سنة.
سبب الحرب
يروي رواة العرب أن كليب بن ربيعة التغلبي كان سيدا لقبائل معد وملكا عليهم ثم بغى عليهم ودخله الزهو فكان يحمي مواقع السحاب فلا يرعى حماه، ويجير على الدهر فلا تخفر ذمته، ويقول: «وحش أرض كذا في جواري فلا يهاج»، ولا تورد إبل أحد مع إبله، ولا توقد نار مع ناره حتى قيل: «أعز من كليب وائل». وكانت بنو جشم من تغلب بن وائل وبني شيبان من بكر بن وائل متجاورين في الديار وكانت البسوس بنت منقذ التميميه نازلة في بني شيبان عند جساس وكانت خالته وكان مع البسوس جار لها اسمه سعد بن شمس الجرمي القضاعي وكانت له ناقة تسمى: «سراب» فمرت إبل لكليب بسراب وهي معقولة فلما رأت الناقة الإبل نازعت عقالها حتى قطعته وتبعت الإبل واختلطت الإبل فلما رآها كليب بين الإبل أنكرها فرماها بسهم في ضرعها فنفرت وهي ترغو فلما رآها الجرمي أخبر البسوس فصاحت « واذلاه ! واجاراه !» وأنشدت:
لعمري لو أصبحت في دار منقذٍ لما ضيم سعد وهو جار لأبياتي
ولكنني أصبحت في دار غربةٍ متى يعد فيها الذئب يعد على شاتي
فيا سعد لا تغرر بنفسك وارتحل فإنك في قومٍ عن الجار أموات
ودونك أذوادي فخذها وإنني لراحلة لا تغدروا ببنياتي
فلما سمعها الجساس بن مرة غضب وركب فرسه ولحق به عمرو بن الحارث الشيباني حتى دخلا على كليب في حماه فقال جساس لكليب: «أيا أبا الماجدة، عمدت إلى ناقة جارتي فعقرتها» فقال له كليب: «أتراك مانعي إن أذب عن حماي؟» فغضب جساس فضرب كليب وقطم صلبه ثم جاء عمرو فطعن كليبا من خلفه فقطع بطنه حتى وقع كليب يفحص برجله وهو يقول لجساس: «أغثني بشربة من ماء». فقال له جساس: «هيهات، تجاوزت شبيثا والأحص». وقال في ذلك عمرو بن الأهتم المنقري التميمي:
وإن كليبا كان يظلم قومه فأدركه مثل الذي تريان
فلما حشاه الرمحَ كفُ ابن عمه تذكر ظلم الأهل أي أوان
وقال لجساس أغثني بشربة وإلا فخبر من رأيت مكاني
فقال تجاوزت الأحص وماءه وبطن شبيث وهو غير دفان
ثم ارتحل بنو شيبان حتى نزلوا ماء يقال له: النهى. فتشمر لهم المهلهل واعتزل الخمر والنساء وجمع إليه قومه من تغلب وأرسلوا رجالا إلى مرة بن ذهل الشيباني والد جساس فقالوا له: «إنكم أتيتم عظيما بقتلكم كليبا بناب من الإبل، فقطعتم الرحم، وانتهكتم الحرمة، وإنا كرهنا العجلة عليكم دون الإعذار إليكم. ونحن نعرض عليكم خلالا أربع لكم فيها مخرج، ولنا مقنع» فقال: «وما هي؟» فقالوا: «تحي لنا كليبا، أو تدفع إلينا جساسا قاتله فنقتله به، أو هماما فإنه كفء له، أو تمكننا من نفسك فإن فيك وفاء من دمه؟» فقال لهم: «أما إحيائي كليبا فهذا ما لا يكون؟ وأما جساس فإنه غلام طعن طعنة على عجل ثم ركب فرسه فلا أدري أي البلاد أحتوى عليه؛ وأما همام فإنه أبو عشرة وأخو عشرة وعم عشرة كلهم فرسان قومهم، فلن يسلموه لي فأدفعه إليكم يقتل بجريرة غيره، وأما أنا فهل هو إلا أن تجول الخيل جولة غدا فأكون أول قتيل بينها، فما أتعجل من الموت؟ ولكن لكم عندي خصلتان: أما إحداهما، فهؤلاء بني الباقون فعلقوا في عنق أيهم شئتم نسعة فانطلقوا به إلى رحالكم فأذبحوه ذبح الجزور، وإلا فألف ناقة سوداء المقل أقيم لكم بها كفيلا من بني وائل» فغضبوا منه وقالوا: «لقد أسأت، ترذل لنا ولدك وتسومنا اللبن من دم كليب». فلحقت الجليلة بنت مرة الشيبانية بأهلها ودعت تغلب قبائل النمر بن قاسط وغفيلة بن قاسط فانضموا لها وأما بنو شيبان فاعتزلت عنهم قبائل بكر بن وائل وكرهوا مساعدتهم وأعظموا قتل جساس كليبا بناقة فارتحلت عنهم بنو عجل وكفت عن نصرتهم بنو يشكر وانقبض الحارث بن عباد سيد بني قيس بن ثعلبة في بيته.