في عيد العمال.. تفاصيل أول إضراب عمالي في التاريـخ المصـري
أسماء صبحي
اليوم العالمي للعمل، يوم العمال العالمي، عيد العمال، عيد العمل أو عيد الشغل. هو احتفال سنوي يقام في دول عديدة احتفاءً بالعمال. فيه تضرب ملايين المؤسسات ومئات الملايين من العمال عن العمل في العديد من الدول.
أما نحن المصريين فقد سبقنا دول العالم فى المطالبة بالحقوق العمالية. حيث تفيد الدراسات والأبحاث التي أجريت عن المصريين القدماء. بأنّ أول إضراب عمالي معروف حتى الآن في التاريخ كان قبل 3 آلاف عام.
أول إضراب عمالي
حدث اول إضراب عمالي في التاريخ المصري فى أواخر الدولة الحديثة، وتحديداً في يوم 14 نوفمبر سنة 1152 قبل الميلاد في منطقة “دير المدينة”. التى تقع غرب الأقصر خلف قرية قرنة مرعى بحوالي كيلومترين.
تقول أميمة حسين، الخبيرة في التراث، إنع في عهد رمسيس الثالث تعرضت مصر لكثير من المصاعب الخارجية والداخلية. وكان الاقتصاد المصري يعانى من انهيار، وزيادة التدخل الأجنبي ونهب المخازن من قبل حكام الأقاليم. وفى ظل تلك الأجواء نهبت مستحقات العمال من مخازن الدولة، وتعرضوا للجوع، فلم يكن أمامهم سوى التوقف عن العمل والتظاهر.
وأضافت حسبن، أز العمال القائمين على بناء مقبرة الملك (من البناءون والنحاتون والنجارون والنقاشون والحجّارون “قاطعوا الأحجار” ..إلخ) قاموا بهذا الإضراب بعد أن تأخر وزير الملك لمدّة شهرين عن دفع المرتّبات. والتّي كانت وقتها عبارة عن حصص من الزيت والسمك والخضروات والملابس والحطب وشراب الجعّة (شراب من الشعير المخمّر به مضادات حيوية، وهو ما يعرف بالبيرة الآن).
وأوضحت أن العمّال احتجوا على تأخر الرواتب فرفعوا شكواهم إلى رؤسائهم المباشرين مطالبين بحصصهم المقررة من الملابس والزيت والسمك والخضر. وطالبوا برفع هذه الشكوى لكل من الوزير والفرعون حتى بتم إمدادهم بما يعيشون به.
مظاهرة صامتة
وأشارت إلى أن المشرفون والرؤساء تلكأوا خوفًا على فقدان وظائفهم. ونفدت الأجور فى الثلث الأول من الشهر وانتظر العمال 12 يوماً. وعندما تأخرت الأجور قالوا “إننا جوعى”، وزاد حنقهم مع زحف الجوع إليهم. فنظموا مظاهرة صامتة إلى بيت الوزير، وهددوا بأن يذهبوا إلى الملك نفسه. وعندما لم يستجاب لهم أضربوا وتوقفوا عن العمل في المقبرة تمامًا.
وتابعت الخبيرة في التراث، إن الكاتب «نفرحبت» المسئول عن متابعة تسليم مستحقات العمال قام بكتابة تقريرا رفعه للوزير «تا» في طيبة. أكد فيه ما وصل إليه حال العمال من بؤس وشقاء دون استجابة.
ونفذ العمال الإضراب والتظاهر والتوقف عن العمل لحين صرف الأجور المتأخرة ومحاربة الفساد في أماكن العمل (المقبرة). والأماكن الدينية (معابد تحتمس الثالث – الطريق الصاعد لمعبد منتوحتب الثالث – معبد سيتى الأول – معبد الرامسيوم – معبد مرنبتاح) في أوقات النهار.
مطالب العمال
تركزت مطالب العمال في: صرف الأجور المتأخرة، ومحاربة الفساد الذي تفشى بين رؤسائهم (سرقة – فساد خلقي واجتماعي). واتهموا اثنين من المسؤولين المهمين، وهما وسرحات وبنتاورت، بـسرقة أحجار من مقبرة الملك العظيم رمسيس الثاني. وثور مرقط وعليه علامة معبد الرامسيوم وطالبوا بإيصال أصواتهم لفرعون مصر ووزيره.
وعدهم بنتاورت ورئيس الشرطة منتومس برفع مطالبهم إلى عمدة طيبة. الذي رفض الاستجابة لمطالب المعتصمين، فاستمر العمال باحتجاجاتهم الرامية إلى توفير المأكل والمشرب.
وفي اليوم الثالث عشر، حدث أمر غير متوقع، إذ أن رئيس الشرطة منتومس طلب من العمال المتظاهرين التجمع من أجل قيادتهم للاعتصام في معبد سيتي الأول بالقرنة. تعاطفاً معهم ناصحا لهم بإحضار زوجاتهم أولادهم، للمشاركة فى الاعتصام والتحرك إلى معبد مرنبتاح
وإزاء هذا التطور، حاولت الإدارة إيجاد حلول موقتة، فقررت صرف نصف زكيبة قمح لكل واحد من العمال المتظاهرين، كما أعطت لهم 50 إناء بيرة.
ولكن هذه ه المحاولة لم تثن العمال عن المضي قدما في اعتصامهم، بل ابتكروا أسلوباً جديداً للمطالبة بحقوقهم. وذلك من خلال التظاهر والاعتصام ليلا وهم يحملون المشاعل.
تحقيق أهداف الإضراب
فشل عمدة طيبة فى مناقشتهم، واضطر إلى أن يرسل لهم الجنايني منيوفر، ومعه 50 زكيبة قمح ليوزعها عليهم حتى يقرر الفرعون رمسيس الثالث صرف كامل مستحقاتهم. إلا أن المتظاهرين تابعوا تحركهم، واعتصموا أمام “معبد الملك مرنبتاح”.
في اليوم الـ28، كان الوزير “تو” عائداً من مهمة جمع تماثيل الآلهة من المعابد المحلية جنوبي الأقصر تحضيراً للاحتفال بعيد تتويج الملك الذي سيقام في منف، العاصمة القديمة لمصر. وأثناء مرور الوزير بالأقصر عرض عليه رئيس الشرطة الجديد، نب سمن، مطالب العمال المتظاهرين.
وتوصل الوزير “تو” إلى “حل موقت، وهو صرف نصف أجر من متأخرات العمال، وطلب من الكاتب حوري توزيعه عليهم . وهكذا ونجح أول إضراب في التاريخ في تحقيق أهدافه”.
وسجلت هذه الاحداث فى بردية تورين”، الموجودة حالياً فى إيطاليا. وقام بتسجيلها الكاتب ( أمون- نخت ) الذي عاش في قرية دير المدينة. مما يعني أنه شاهد عيان على الأحداث التي كتبها في هذه البردية.