كتابنا

الأميرة سهيلة بنت فيصل تكتب:جهاد النفس.. والطريق إلى الصفاء

الأميرة سهيلة بنت فيصل تكتب:جهاد النفس.. والطريق إلى الصفاء

أفكر نعم ومن منا لا يفكر؟.. كلنا نتعمق ونتعمق في التفكير حتى نصل إلى الحل في المسألة القائم عليها تفكيرنا، ونتمنى جميعا أن تكون الإجابة ما بين السعادة والراحة، وهذه الإجابة لا توجد في هذه الدنيا من الأساس، لأن الإنسان خُلق لاختبار يعني بلاء يعني مشقة وكبد، والراحة الوحيدة في هذه الدنيا هي الاستسلام لأمر الله، يعني تنفيذ أمر الله في السراء والضراء، وهذا مفهوم العبادة، لأن الله اختصر على الناس والخلق في الإجابة بقوله سبحانه وتعالى (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون)..

والعبادة مفهوم واسع غير مقتصر على الفرائض فقط، بل المقصود بالعبادة الامتثال لكل أوامر الله في كل الأقوال والأفعال الظاهرة والباطنة، ويكون ميزانك الله ورسوله صلى الله عليه وسلم، بمعنى الاستسلام وهو الإسلام والسلام وحسن الخُلق، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).

ومكارم الأخلاق هي الدرجة العالية في الإحسان، والإحسان لا يأتي إلا إذا أكرمت كل من أساء إليك وأحسنت إليه وهو ينتظر منك رد الإساءة بمثلها، وهذه المرتبة لا يصل إليها إلا الأقوياء والصديقون والشهداء وبعض الصالحين، وهي من صفات الأنبياء ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

والطريق إلى الإحسان تصل إليه بثلاثة محاور: المحور الأول وهو الأصعب ومفتاح كل خير وهو كظم الغيظ، ولا يأتي كظم الغيظ إلا بعد الأذى، فتظهر قوتك الحقيقية حينها، فإما أن تغضب فيظهر ضعفك وسوء معدنك وصدأ قلبك، فتؤذي من آذاك وحينها تكون أسوأ منه مرتبة، لأنك تركت فرصة الوصول إلى الإحسان، وإما أن تصبر وتمتثل لأمر الله وتكتم غيظك ويظهر حسن معدنك وقوتك وهذا هو المحور الأول .

والمحور الثاني والأكثر قوة ونقاء وهو محور العفو عن من آذاك، ولا يأتي العفو من ضعف أبدا، لأن الضعيف لا حيلة له فيعفو أو لا يعفو، إنما العفو يأتي مرتديا عباءة النور الإلهية والقوة الإيمانية بحسن الخُلق وحسن الظن في الله، وهي الرحمة، والرحمة تنقلك إلى رحمة الله في الدنيا والآخرة وإن تفوقت ووصلت إلى محور العظماء. وهو المحور الثالث الإحسان.. والإحسان هو تاج الوقار ورداء النبوة وسمة السابقين، لأن الإنسان حينها يكون قد تفوق على بشريته وإنسانيته وأصبح أفضل من الملائكة، لأنه أصبح عابدا ربانيا ويحمل على عاتقه حظ النفس الأمارة بالسوء، بخلاف الملائكة المفطورة على العبادة والطاعة فقط دون أي أعباء وغرائز على عاتقها. أما المحسن الذي يقدم حُسن القول والنية والعمل إلى من أساء إليه فهذا هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم عندما سأله سيدنا جبريل عليه السلام فقال (ما الإحسان؟ قال الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ).

ومن هنا يصل الإنسان إلى محبة الله سبحانه وتعالى، فيكون الله للمحسن عينه التي يبصر بها وأذنه التي يسمع بها ويده الذي يبطش بها ورجله التي يخطو بها وأصبح وليا من أولياء الله الصالحين. وحينها يقول الله في حديثه القدسي (من عاد لي وليا فقد آذنته بالحرب) فما أجمل الإحسان، فهل لنا نصيب منه في هذه الأيام المباركة، أيام خصها الله بالرحمة والمغفرة والعتق من النيران.. فهيا بنا نكظم غيظ قلوبنا ونعفو عن من أساء إلينا ونتفوق ونتاجر مع الله ونحسن إلى من أساء وبالله التوفيق.. (إذا نفعتك فانشرها لعلها تنفع غيرك وتنشر السلام ).. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى