المزيدكتابنا
أخر الأخبار

ثقافة العشق.. وشاعر الأغنية الشعبية المعاصرة

 

كتب : حاتم عبدالهادي السيد

السيد داود – ابن محافظة الشرقية البديعة – أحد أقطاب الأغنية المصرية المعاصرة؛ كما يعد واحدًا من المجددين الذين أثروا سماء الأغنية الرومانتيكية؛ والشعبية؛والوطنية، وعَبَّروا بأقلامهم المبدعة عن الواقع المصري الراهن .

وفي ديوانه : ( قلب العاشق ) نرى شاعرنا الجميل أ/ السيد داود يهرق قلبه للوطن ؛ للمحبوبة؛ لمصر؛ للعروبة؛ للكون والمجتمع والعالم ؛ ويقدم لنا تجربته الرائعة عبر قصائد تتخذ من بساطة اللفظ طريقًا لجماليات المعنى؛ فلقد راعى البساطة مع العمق؛ والسهولة مع جمال التصوير؛ فغدت كلماته لها صفة الذات والصدق الفني الذي يميزها؛ كما أنها تعبرعن جوهر عميق؛ ومعانٍ تصور حياة المجتمع الريفي في الزقازيق – مسقط رأسه – وتنسجب إلي كل أقطارنا العربية؛وقضايانا المصرية والعربية الكبرى كقضية العروبة والقومية العربية؛ وفلسطين؛ وقضايا الوحدة الوطنية؛ وكل القضايا الإنسانية التي تنشد الصدق والمحبة والتعايش في محبة وسلام ووئام؛ تنشد الحب وتدعو إليه؛ وترفض وتلعن الحرب؛ وتنشد الهدوء؛ وترفض الصخب؛ وتنشد الحرية المُشتهاة .
.
ولأن المبدع ابن بيئته؛ فقد أخذ الشاعر الجميل / السيد داود هموم مجتمعه وعبر عنها بصورة لطيفة؛ ودون مواربة؛ وبجمالية مدهشة ورقيقة؛ فخرجت كلماته مبهرة؛ سلسة ؛ وكان جوهرها يحمل الصدق الفني والإبداعي.

ولكونه عارف بتقنيات الكتابة الغنائية فقد أطاعته الحروف ليُخرج لنا في النهاية العديد من الدواوين الشعرية الغنائية الفارقة؛والجديدة؛ والجميلة أيضً؟ا .

ولم يتكلف الشاعر البديع / السيد داود كغيره في صناعة النسيج الذهبي لقماشة الكلمات البديعة؛ بل وضع قلمه مدفعًا ليجابه التحديات؛ فكان المحارب بالقلم والكلمة والغناء عبر أوزان تطيعه؛ وكلماته تتواشج مع مقامات الرصد ،والبياتي ،والنهاوند؛ وغيرها ؛ وكأنه يكتب وعينه على الموسيقا؛ وصوت المطرب؛ لذا فقد خرجت قصائد ملحنة؛ ولن تتعب المؤلف سوي في توزيع ألحانها على النوتة الموسيقية؛ التي تخيلها عند كتابة الأغنية؛ لذا لا غرو أن أقول : إنه شاعر الأغنية من طراز فريد؛ حيث تخرج الكلمات موشاة بالألحان؛ ومزخرفة بالصدق والجمال البديع؛ يقول في أعنيته الرومانتيكية( أحلى كلمة ) :

أحلى كلمة أسمعها منك

لما بتقوللي ..حبيبي

كلمة بتفكرني إنك

لسه من بختي ونصيبي

قولها يا أغلى الحبايب

من هواك القلب دايب

شفت وياك العجايب

بس ده قدري ونصيبي

أحلى كلمة أسمعها منك

لما بتقوللي حبيبي.

إنه يعيدنا إلى زمن الغناء الجميل؛ زمن سيدة الغناء العربي/ أم كلثوم؛ وأيان الدانوب والجمال المموسق مع رواد الطرب والغناء العربي الأصيل : محمد عبدالوهاب؛ وفريد الأطرش؛ بل وعبدالحليم حافظ ؛ وغيرهم ؛ زمن الأغاني الشاهقة التي كانت فيها كلمات الأغنية هي المدخل للولوج إلى الأغنية المبهرة التي ستبقى؛ وتعيش مع الناس حتى أزمان ممتدة؛ حيث كانت الكلمة هي جوهر العمل الفني بداية- إلى جانب الموسيقا والألحان؛ وصوت المطرب الذي يعطيها الهارموني المميز؛ والمُوَقَّعْ لتلك الكلمات الجميلة .

وشاعرنا الرائع / السيد داود في كلماته الرقيقة في أغنية ( ذكريات ) رأيناه يخاطب محبوبته عبر سنوات العمر التي انقضت؛ فهو يتذكر رحلة الحياة منذ أن كانا معًا في المدرسة؛ يراها بجانبه طفلة تبتهج لربيع الحياة؛ وكزهرة تتفتح مع الأيام ؛فإذ العمر يمر بسرعة؛ والأيام تصبح ذكريات؛ يقول :

السنين عدت علينا ولسه قدامنا السنين

اوعديني نبقى ديما يا حبيبتي قريبين

المشاعر تبقى واحدة والقلوب ما تدوقش وحدة

والليالي الدافية تفضل عمرها ما تكونش باردة

تبقي قمري نور حياتي تبقي جوا القلب قاعدة

والقدر جمع قلوبنا واللقا كان من نصيبنا

والليلادي يا حبيبتي فكرتنا باللي فاتنا

واللي بتمناه يا غالية الفرح يفضل تالتنا

تبقي ديما جنب مني نعيش ونكتب ذكرياتنا

إنه يكتب روحه؛ ويهرقها علي أوراق الحب الزرقاء ليذكرها بالحب الذي مضي؛ الحب الخالد الطاهر النبيل الذي أصبح بفعل العمر، ذكرياتٍ خالدة ممتدة .

ويتنقل بنا الشاعر عبر ضفاف الديوان كفراشة تتنقل بين أزهار الحب؛ وعتبات الجمال الوطني الباذخ: يخاطب الليل والمحبوبة ؛ والوطن، والكون،والعالم؛ ويمزج من صوف قلبه الرهيف أجمل الكلمات المموسقة؛ التي تخترق القلوب المقروحة فتحيلها إلى قلوب عاشقة؛ مفعمة بالأمل والحب؛ يقول عبر خفة روح؛ ولطافة معنى؛ وصدق مشاعر؛ ويسألها :

ليه تخبى الحب ليه

ليه في قلبك بتداريه

في غيونك الابتسامة

قلبي سامعك بتناديه

ليع تخبي الحب ليه

ليه تخبي ليه تداري

يلي قلبك هوا داري

قلبي جالك دق بابك

يلا يوم ردي عليه

ليه تخبي الحب ليه

يا هوى طيَّب جروحي

من آلامي ورد روحي

باندهك مدي الأيادي

ضمي قلبك واحضنيه

ليه تخبي الحب ليه.

ويعبر بنا الشاعر الرائع / السيد داود عبر زورق الحب إلى سفينة الوطنية ؛ حيث مصر النيل والعشق والخلود؛ وقلب العاشق- عنوان الديوان – الذي يتوزع بين حب المحبوبة التي هي الوطن؛ وحب الوطن الذي هو العشق والهيام في معية الجمال الأنثوي للمحبوبة المحروسة مصر الخالدة؛ يقول في أغنيته ( الخلود المستحيل ) :

مصر يا أرض الحضارة

والخلود المستحيل

العيون هما المنارة

شعرها بحرك يانيل

والتراب حنة ولادك

والخضار جنة بلادك

الزمن شاهد ميلادك

سجله جيل بعد جيل

مصر يا أرض الحضارة

والخلود المستحيل

مصر يا تاج العروبة

مصر يا طوق النجاة

مهما كان حجم الصعوبة

مستمرة في الحياة

في الشدايد بنلاقيكي

الضعيف يستقوى بيكي

ترفعي الراية بإيديكي

وانتي في الأول دليل

مصر يا أرض الحضارة

والخلود المستحيل.

إنه الشاعر القومي؛ المصري العاشق؛ الذي يحب النيل؛ ويعشق تراب الحبيبة:( مصر المحروسة) بنت القمر والنيل؛ وهو القلب العاشق النبيل الذي يقدم لها كلماته؛ ولا يملك سواها؛ فالكلمة رصاصته؛ والحب باروده وشعره؛ وكنزه؛ فما أثمن الكلمات لشاعر يصنع من حروف الحب بقلبه عصافير الجمال الكوني؛ للمجتمع والكون والعالم والحياة !! .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى