الصقالبة المسلمون.. شيدوا القاهرة والأزهر الشريف.. فمن هم؟
أميرة جادو
كانت الحركة التجارية للعرب بمثابة نقطة انطلاق مهمة لانتشار الدين الإسلامي في العديد من المناطق المختلفة، على رأسها الصين وروسيا، إذ وصل الإسلام إلى أقصى الشرق الآسيوي على يد التجار أولاً، قبل أن تبدأ الحملات الإسلامية في طرق أبواب تلك البلدان.
من هم الصقالبة السلاف؟
عرف العرب الشعوب السلافية من خلال التجارة، كما جاءوا تجار تلك الشعوب إلى الجزيرة العربية، وأطلق العرب عليهم لقب “الصقالبة”، وهم العنصر العرقي السلافي الغالب في شعوب روسيا وبولندا وأوكرانيا وتشيكيا وسلوفاكيا وسلوفينيا والبوسنة والهرسك ومقدونيا وصربيا والجبل الأسود، علاوة على وجود قوي في شرق ألمانيا ورومانيا وجورجيا وباقي دول القوقاز.
ونظراً لقوة بنيان السلافيين وقدراتهم القتالية، جندهم الأمويون والعباسيون والأندلسيون والفاطميون والبيزنطيون والأيوبيون والمماليك وحتى العثمانيون في الجيش ومنحوهم مناصب في الإدارة والحكم.
وكون لمعاوية بن أبي سفيان فرقته العسكرية من الجنود الصقالبة المسلمين، والذي بلغ عددهم إلى 5000 مقاتل، وهي التي أنقذته من جيش علي بن أبي طالب قبل التحكيم بينهما، كما كان هنالك فرقة صقلبية كاملة في الدولة العباسية لها قلعة في شمال سوريا هي قلعة الصقالبة.
وكان الخليفة المستعين بالله، حفيد هارون الرشيد، وهو الخليفة العباسي أحمد بن المعتصم بن هارون الرشيد، من أم صقلبية تدعى مخارق.
صقالبة الدولة الفاطمية
وقال تقي الدين أحمد بن علي المقريزي في كتابه “اتعاظ الحنفاء بأخبار الأئمة الفاطميين الخلفاء”، أن المسلمين شاركوا في توطين الصقالبة (السلاف) في آسيا الوسطى، كما كان لهم دور كبير في الدولة الفاطمية وشاركوا في الفتح الفاطمي لجنوب إيطاليا، فأطلق اسمهم الدارج – صقلية – في ذلك العصر على جنوب إيطاليا.
وكلمة صقلية أصلها صقلبية، وجوهر الصقلي لقب في زمنه بجوهر الصقلبي، وهو مسلم سلافي من مدينة دلماسيا في كرواتيا اليوم، كما لقب هذا القائد السلافي بـ”جوهر الرومي” في بعض المناطق التي أخضعها للحكم الفاطمي.
تأسيس القاهرة والأزهر الشريف
وجوهر الصقلبي أو “جوهر الرومي” هو الفاتح الفاطمي الذي دخل الفسطاط عاصمة مصر العباسية في 6 يوليو 969، وقام بتأسيس القاهرة عاصمة مصر حتى يومنا هذا، وتولى شؤونها وحكمها حتى مجيء الخليفة الفاطمي إلى القاهرة عام 972، كما أسس الجامع الأزهر، ثم كلفه الحاكم الفاطمي بضم فلسطين ثم سوريا ولبنان إلى الدولة الفاطمية.
كما ذكر المؤرخ المصري أبو بكر بن عبد الله بن أيبك الدواداري في كتابه “كنز الدرر وجامع الغرر… الدرة المضيئة في أخبار الدولة الفاطمية”، قصصاً تبرز ثقل الصقالبة في البلاط الفاطمي بالقاهرة، وكونهم منافساً لنفوذ البربر المغاربة.
علاقة الصقالية بحارة برجوان
عندما توفي الخليفة الفاطمي العزيز بالله عام 996، تنافس الصقالبة بقيادة أبو الفتوح برجوان، مع البرابرة المغاربة بقيادة أبو محمد بن عمار لفرض سيطرتهم على الدولة وبسط نفوذهم بسبب صغر سن الخليفة الجديد الحاكم بأمر الله، الذي نودي به حاكماً للدولة الفاطمية في مصر والشام والحجاز والمغرب وعمره 11 عاماً، وكانت والدته روسية صقلبية أيضاً.
أصبح برجوان الوصي على الخليفة الصغير، وحكم هذا الصقلبي الدولة الفاطمية بين عامي 996 و1000، ونجح في صد الغزوات البيزنطية عن ولايات الشام وليبيا.
تسبب الصراع بين الصقالبة والبربر في تحركات عنيفة من الحاكم بأمر الله من أجل أن يتولى الحكم بشكل كامل، خاصةً بعد تهميشه من قبّل الصقالبة، فكلف ريدان الصقلبي باغتيال برجوان الصقلبي، ثم أمر بقتل ابن عمار أيضاً، ثم ريدان الصقلبي، وقد عرف عنه سهولة إصداره أوامر القتل لكبار رجالات حكمه، إذ قتل حسين بن جوهر الصقلبي أيضاً رغم مكانة الأخير العزيزة لدى الأسرة الفاطمية.
وتنسب حارة برجوان بحي الجمالية الشهير في القاهرة إلى القائد الصقلبي الذي نافس الحاكم بأمر الله الفاطمي على عرش الخلافة الفاطمية يوماً ما.