د. محمد السعيد إدريس يكتب : تداعيات زيارة بايدن إلى كييف
د. محمد السعيد إدريس يكتب : تداعيات زيارة بايدن إلى كييف
قبل ساعات معدودة من إلقاء الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، خطابه السنوي أمام الجمعية الفيدرالية، وقبل ثلاثة أيام من مرور عام على تفجر الأزمة الأوكرانية، فاجأ الرئيس الأمريكين جو بايدن، العالم بزيارة سرية إلى العاصمة الأوكرانية كييف، صباح يوم الاثنين الماضي. كان الأمريكيون مشغولون بمتابعة أخبار المنطاد الصيني الذي تجول في الأجواء الأمريكية ثلاثة أيام قبل إسقاطه،منذ أيام، وأدى إلى تأجيل زيارة وزير الخارجية الأمريكي إلى بكين، مطلع الشهر الجاري.
توقيت الزيارة له دلالاته من ناحيتين، الأولى أنه يحمل رسالة تقول إن العام الثاني من عمر الأزمة الأوكرانية لن يكون على غرار العام الأول، فهو سيكون، على الأجدر، عام الحسم، لأن ذهاب بايدن إلى كييف لم يكن لمجرد تأكيد الدعم لأوكرانيا، بل حتماً يحمل رسالة مغايرة لها علاقة بمستقبل هذه الأزمة، أما الناحية الثانية، فإنها توجه رسالة مسبقة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، بألا يذهب كثيراً في وعوده للشعب الروسي، وأن يكون أكثر واقعية، لأن واشنطن قررت أن تخوض الصراع على المكشوف هذه المرة مع روسيا في أوكرانيا. وفي الوقت نفسه، أراد الرئيس الأمريكي أن يوجه رسالة ثالثة إلى الحلفاء الأوروبيين المترددين في الذهاب بالحرب ضد روسيا إلى المدى الذي يؤدي إلى هزيمة روسيا، وكسر المشروع السياسي للرئيس بوتين، خاصة بعد الحديث الذي أدلى به الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، لعدد من الصحف ومحطات التلفزة الفرنسية في طريق عودته إلى باريس عقب حضوره «مؤتمر ميونيخ للأمن» في ألمانيا، في هذا الحديث قال ماكرون «لا أعتقد مثل البعض أنه يجب هزيمة روسيا بالكامل ومهاجمتها على أراضيها.. هؤلاء المراقبون يريدون قبل كل شيء، سحق روسيا». وأضاف «لم يكن هذا موقف فرنسا، ولن يكون كذلك أبداً».
الواضح أن زيارة بايدن إلى كييف تكشف حقيقة الموقف الأمريكي الراهن من أزمة أوكرانيا، وهو المضي قدماً بالعمل العسكري الأوكراني ضد روسيا لهزيمة روسيا، وإجبارها على الانسحاب من دون تحقيق مكاسب، أي أن واشنطن قررت أن تخوض «صراعاً صفرياً» مع روسيا، تحصل فيه على كل المكاسب ولا تحصل روسيا على شيء.
هذا المعنى يمكن الاستدلال عليه من مضامين الكلمة التي أدلت بها كمالا هاريس نائبة الرئيس الأمريكي في مؤتمر ميونيخ للأمن، وتصريحات وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن، عقب اجتماعه مع نظيره الصيني «وانغ بي»، على هامش المؤتمر.إذ قالت هاريس إن «السماح لرئيس روسيا بوتين بالانتصار في حربه في أوكرانيا سوف تكون له تداعياته، وسوف يشجع غيره من (النظم السلطوية) أن تحذو حذوه». بهذا الكلام أرادت أن تؤكد أن أمريكا قررت خوض «الحسم» ضد روسيا، لعدم إعطاء الصين إشارة ضوء خضراء لتكرر ما قام به بوتين، وتشجعها على استعادة تايوان. كما أن بلينكن أبلغ نظيره الصيني أن «أمريكا لا تريد حرباً مع الصين»، لكنه حذر الصين من تقديم أي مساعدة مادية لروسيا، وهو ما أكده المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية، بأن بلينكن حذر وزير الخارجية الصيني من «تداعيات وعواقب ستطال الصين إذا تبين أنها قدمت أسلحة إلى روسيا في حرب أوكرانيا».
ما قاله الرئيس بايدن في خطاب «حالة الاتحاد» السنوي (7/2/2023) من أن «الولايات المتحدة هي البلد الوحيد الذي يخرج من كل أزمة أقوى مما كان عليه» أراد أن يؤكده بزيارته لكييف عبر رسالتين، الأولى لروسيا تقول إن أمريكا تخوض الحرب بنفسها ضد روسيا لإفشال مشروعها السياسي، وهزيمتها، والثانية للصين تحمل تحذيراً صريحاً من أي تفكير صيني في مهاجمة تايوان. لكن ما ورد على لسان الرئيس بوتين في اليوم التالي لزيارة بايدن، يؤكد أن روسيا عازمة على النصر. ويبقى الرد الصيني غامضاً: هل سترتدع بكين من تهديد واشنطن، أم ستأخذ خطوة استباقية لتحجيم «العدوانية الأمريكية»؟ سواء عبر قرار صريح بدعم روسيا مادياً، أو عبر مهاجمة تايوان للاستفادة من التورط الأمريكي في أوكرانيا.