أسرار “جبّانة هو”.. لماذا يبني الناس مقابرهم على هيئة جمل وتابوت؟
دعاء رحيل
“يكفيك شر جبّانة هو، عاملة زي البحر ما تعوفش”.. علي بعد نحو 5 كيلومترات من المسجد العمري بقرية هو، جنوب نجع حمادي، تقع “جبّانة”هو على مساحة تصل إلى 38 فدانًا، تحوي مقابر متنوعة الأشكال ملونة، بعكس السواد الذي يرتديه أهل الميت، مع أشكال مختلفة للمقابر بين جمل وتابوت و”أبو رقبة”، مع صور لسبح وأباريق وأمشاط وحلقان، ومقاص، استمرت لمئات السنوات.
الباحثون الفرنسيون في خمسينيات القرن الماضي وصفوا مقابر “هو” بأنها من عجائب العالم الحديث، بسبب أشكال القبور المميزة، واستخدام الرسم للتعبير عن عمر ومكانة وجنس المتوفى بها، كما يردد البعض أحاديث عن رغبة المقوقس الاحتفاظ بقرية “هو”، بالإضافة للقرافة الكبري بالقاهرة بعد دخول عمرو بن العاص مصر، أما الحكاية العديبة التي يرددها أهل القرية فهي عن وجود فدان من الجنة في تلك المقابر، ومن دفن فيها كتبت له الجنة.
أهل القرية لا يعرفون سبب تزيينهم القبور بهذه الطريق، سوى أنهم ورثوا ذلك من أجدادهم، ليتعرفوا على المقابر، فالرسوم تميز نوع المتوفى رجل أم امرأة، وعمره، ومستواه الاجتماعي، بحسب علي محمود، 60 عامًا، ورمضان محمد، 28 عامًا، الاثنان من أهل القرية.
في مسجد يتوسط منطقة “الجبابين” يبدأ جاد الكريم سليم، 80 عامًا- شيخ الترابية، أبًا عن جد، حديثه بـ”يكفيك شر جبانة هو عمله زي البحر ما تعوفش”، هكذا تشتهر مقابر هو فهي كبيرة وقديمة منذ عصر الرومان.
هناك أكثر من 100 قرية بتوابعها تنقسم إلى مقابر للمسلمين وأخري للأقباط، وجزء يقال إنها مقابر للصحابة والمحاربين القدامى، مثل الأمير ضراربن الأوزر، والسادات، والجمال، وعبدالباقي، وغيرهم، وآخر لقتلى الرومان، شاهدًا علي معركة العرب المسلمين مع الرومان بمنطقة هور.
يقول جاد الكريم: في هور وقعت معركة قبل مئات السنين بين الرومان والمسلمين، وقت حوت المنطقة جثث القتلى، بحسب ما يروى، تدور حكايات عدة عن الشيخ الخطّاف، وعن بسالة الأميرة خولة شقيقة الأمير ضرار، لتحرير أخيها من أسر الرومان، التي طلق عليها “الفارس الملثم” كما يقال إن اسم القرية “هو” محرف من اسم المنطقة هور.
يعاود الجد جاد الحديث: اعتدنا بناء شكل مقبرة المرأة مختلفًا عن الرجل، ونزينه بالرسومات المميزة بعد 6 أيام من الدفن، وقبل 15 يومًا وهو يوم زيارة أهله.
وفي هذا الصدد عرفات جاد الكريم، تربي، للقبور 4 أنواع: البحيري “الجمل”، أبو رقبة، التابوت، وقبة مؤخرًا أصبحت تبنى بجميع الأشكال للرجال والإناث مع اختلاف الرسومات المميزة لكل منهم، وفي الغالب كنا نبني للرجل قبر على هيئة جمل للدلالة على شجاعته وصبره، وقوته.
يتابع أن المرأة يبنى قبرها على هيئة تابوت، بينما ترسم الأباريق والسبح على قبور الرجال، دلالة علي صلاحهم، ومقص وحلق ومشط لتميز السيدات، ويتفاوت حجم وشكل القبر بحسب عمر ونوع المتوفي، وطلب أهله للشكل الذي يريدونه.
البحيري “الجمل” يبني على هبة جمل برقبة ورأس بها بروز رأس الجمل، وزيل، أما أبو رقبة فهو نفس المبنى دون رأس أو زيل، ومنهم من يشيده بالأسمنت وآخر بالطوب اللبن، بالإضافة إلى الألوان والرسومات، ويقول عرفات: لكل تربي سر، لا يجوز أن يبوح به لأحد، ولكن وجب عليه الصلاح قبل نزول القبر للدفن، ولا صحة لوجود فدان من الجنة هنا، وهي مجرد أساطير لا أساس لها.
جغرافية المكان أبت لم تشأ أن تخبرنا عن كل أسراره، ولا عن الآبار التي توحي بقدم المكان وعراقته، من 3 إلي 4 آبار، بئر بجوار كل ضريح من مقامات الصحابي المحاربين، بعضها دفن ، واخر متواجد حتي الآن، نستخدمه في بناء اشكال المقابرهكدا علق الجد جاد.
وفي سياق متصل محمود عبد الوهاب باحث يهئية الآثار الإسلامية والقبطية بنجع حمادي، إن جزء من مقابر “هو” يسمى “هور”، يقع ضمن المنطقة الأثرية بنجع حمادي، وضمت إلى الآثار منذ 1960، ثم اكتشفت بعض الأواني والأحجار المنقوشة باللغة الفرعونية في أول بعثة علمية منظمة للمنطقة عام 1987.
وأضاف عبد الوهاب أن مقابر هو أكبر مقابر وأقدمها في الصعيد بعد مقابر بني حسن بمحافظة المنيا، كما أجرى الباحث محمود السطوحي عباس، دراسة حول النقوش والرسوم التي توضع علي القبور وشكل القبور المختلفة وتركيبتها عن أي قبور في منطقة أخرى.
وحول فدان الجنة يقول عبدالوهاب، لا أساس تاريخي أو علمي لها، بل تناقلها الناس مع الأساطير الأخرى التي تدور حول تلك المقابر.