حوارات و تقارير

باحث في التراث النوبي يوضح لـ “صوت القبائل” طريقة صناعة القدماء للساقية النوبية

أميرة جادو

تميزت الساقية النوبية قديمًا بدورها وتأثيرها فى تشكيل حياة الناس وصياغة بيئتهم فى تلك الآونة، فتعلموا منها أساليب الزراعة ونوعيات الأرض، إلا أن الساقية بشكلها القديم المتوارث لم تعد باقية بأوصافها القديمة ولا يعرفها إلا القليون فى وقتنا الحاضر .

وعرفت الساقية النوبية بطابع خاص حتى أنها وصفت بأنها كانت بمثابة آلة موسيقية لرفع المياه.. وكانت لا تخلو قرية فى النوبة من السواقى المنصوبة على شواطئ نيلها.. حيث كانت تطل تلك السواقى المثبتة على حبال لغرف الماء عندما تدور بدفع الحيوان لدواليبها.

مكونات الساقية

تدور الساقية بواسطة ترسين مصنعين من الخشب، وهما الترس الكبير والذى يعتبر الترس الأم.. وبجانبه الترس الأصغر ويعمل الترسان بدفع الحيوان (البقرة) لتدفع سنونها فى تلامسات متناسقة تشبة سلام اليد لليد.. فاستعار أهل النوبة هذه النغمة الصادرة من صوت التروس وكانوا يرددوها فى قالب غنائى قائلين:

عيسى سلام … موسى سلام

فامتزاج الترسان كان يصدر صوتا يشبه ما يفعله عازفو الآلات الوترية بشد أوتارها.. (ووصف صوتها بأنين الساقية)

ويأتى دور الإيقاع من صبات فى قاع جذع النخلة وبذلك تكتمل موسيقى الساقية فكانت البقرات الدافعة للترسين المستمرة فى جرها تجدها مندمجة بدورها وبخطواتها المتتابعة فى انسجام مع النغمة الموسيقية الصادرة، وحيوان البقرة كانت هى المتخصصة لجر الساقية. وكان النوبيون يتعاطفون معها فابتدعوا لها موسيقى الساقية حتى أن البقرات التى تعمل على ساقية لها موسيقاها لا تحتمل العمل على ساقية أخرى مختلفة الموسيقى. ومن فرط تدليلهم للبقر فإن فلاح النوبة لم يكن يجبرها على اعتلاء الساقية وجرها، ويعتبر تمنعها نذير شؤم فى معتقدههم.

كيفية صناعة الساقية النوبية قديمًا

 

وفي هذا الإطار، كشف الباحث في التراث النوبي، الأستاذ محمد صبحي، لـ “صوت القبائل العربية”، كيفية صناعة القدماء للساقية النوبية ومدى تأثيرها فى الحياة الاقتصادية والمعيشية لأهالى النوبة.. وأنها كانت تصنع من أخشاب السنط وقواديسها من الطين المحروق على هيئة أزيار صغيرة، وأدوات الربط تصنع من ألياف النخيل.. والأجزاء الدقيقة بها يتم ربطها بشرائح من جلود البقر ولا يدخل فى تصنيع الساقية بالنوبة أى أجزاء معدنية مثل المسامير والأسلاك.

وأوضح “صبحي”، أن الساقية النوبية من أبرز الآثار التي ورثت من العهود النوبية القديمة. وظلت معلما بارزا، وتمثل الوسيلة الزراعية الوحيدة في كثير من مناطق النوبة. كما بقيت معروفة في جميع البلاد التي عاش فيها النوبيون على طول حوض النيل، وظلت الساقية الآلة الرافعة للمياه في مساحة واسعة من وادي النيل. من صعيد مصر حتى المناطق الوسطى من السودان، تتناقل صناعتها الأجيال، محتفظة بهيكلها وأجزائها القديمة وبأسمائها النوبية حتى عهد قريب.. مؤكدًا أنها كانت من أهم دعائم الاقتصاد بالنسبة للمجتمع النوبى وكانت لها خصوصية بالنسبة للإنسان النوبى.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى